دعم رواندا لميليشيا «البوليساريو» الانفصالية يعمق عزلتها الجيوسياسية

بقلم: زكية لعروسي

على ضوء المقال المنشور للخبير الإيطالي في الصراعات الجيوسياسية، ماركو باراتو، حول موقف رواندا من قضية الصحراء المغربية ودعمها المتواصل لجبهة “البوليساريو”، يمكن استنتاج أن رواندا تقف في عزلة متزايدة ضمن القارة الأفريقية. هذا الموقف يثير تساؤلات حول دوافع هذه السياسة وجدواها في ضوء التحولات الإقليمية الكبرى نحو دعم السيادة المغربية على الصحراء.

على مدار السنوات الأخيرة، اتخذت الدول الأفريقية خطوات جريئة لدعم السيادة المغربية على الصحراء. إذ قامت دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وملاوي بفتح قنصليات في مدن الصحراء المغربية، مما يشكل تحول استراتيجيا نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الاعتراف بسيادة المغرب. في المقابل، تواصل رواندا دعمها لجبهة “البوليساريو”، موقف يتناقض مع هذا التوجه الإفريقي العام. هذه السياسة جعلت رواندا في مواجهة مباشرة مع جيرانها في مجموعة التنمية لإفريقيا  الجنوبية (SADC)، حيث تبنت العديد من الدول الأعضاء نهجا براغماتيا يسعى لتحقيق المصالح المشتركة بدلا من التمسك بمواقف إيديولوجية تقليدية. من الواضح أن هذا النهج قد وضع رواندا في عزلة سياسية متزايدة داخل هذا التكتل الإقليمي.

لا تقتصر تداعيات موقف رواندا على الجانب السياسي فقط، بل تتعداه لتؤثر على الاقتصاد. فبينما تعزز الدول الإفريقية علاقاتها مع المغرب، الذي يُعد واحدا من أسرع الاقتصادات نموا وأكثرها تنوعا في القارة، تجد رواندا نفسها محرومة من فرص اقتصادية وتجارية محتملة.

يمثل المغرب بوابة للتعاون الاقتصادي الإفريقي مع أوروبا، ويعد شريكا رئيسيا في مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF). استمرار رواندا في دعم “البوليساريو” قد يؤدي إلى إبعادها عن هذه المشاريع الاستراتيجية، مما يضعف قدرتها على تحقيق أهدافها التنموية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فهل هذا الموقف قائم على الإيديولوجيا أم المصالح؟

يمكن تفسير دعم رواندا لـ”البوليساريو” بتمسكها بمبدأ “حق تقرير المصير”، وهو مبدأ لطالما دعمته الدول الأفريقية في سياق حركات التحرر من الاستعمار. إلا أن الواقع الجيوسياسي الحالي يظهر أن هذه السياسة قد أصبحت عقبة أمام تعاون إقليمي أوسع وتحقيق مصالح اقتصادية ملموسة.

في ظل هذا الواقع، تبرز تساؤلات حول جدوى الاستمرار في هذا النهج. هل يمكن لرواندا أن توازن بين مبادئها التقليدية وبين التحولات الإقليمية المتسارعة؟ وكيف يمكنها إعادة تقييم سياستها الخارجية بما يحقق مصالحها الوطنية دون فقدان مكانتها الأخلاقية؟

لا يمكن فصل موقف رواندا من قضية الصحراء عن دورها الإقليمي الأكبر، خاصة دعمها لمتمردي “M23” في جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذه السياسة تعكس رغبة في فرض نفوذها الإقليمي، لكنها تؤدي في الوقت ذاته إلى زعزعة استقرار المنطقة وتعريضها لخطر التفكك.
إن استمرار رواندا في هذا النهج قد يؤدي إلى تصعيد التوترات السياسية والاقتصادية في إفريقيا، وهو ما يعارض الجهود القارية لتحقيق الاستقرار والتنمية.

موقف رواندا الحالي يمثل صراعا بين الالتزام بالمبادئ التقليدية والسعي لتحقيق المصالح البراغماتية. في عالم السياسة الدولية، غالبا ما تكون البراغماتية هي المحرك الأساسي للقرارات. إذا قررت رواندا مراجعة موقفها، فقد تفتح الباب لتعزيز علاقاتها مع القوى الإفريقية الكبرى مثل المغرب، مما ينعكس إيجابا على اقتصادها واستقرارها السياسي.

لكن هذه الخطوة قد تواجه مقاومة داخلية، خاصة أن الحكومة الرواندية قامت بتأطير سياستها الخارجية على أنها دفاع عن القيم الإفريقية. هنا يظهر التحدي الأكبر: كيف يمكن لرواندا أن تنتقل من العزلة إلى الاندماج ؟

يبقى تساؤل نهائي مطروحا: ما هي الدوافع الحقيقية وراء إصرار رواندا على دعم “البوليساريو” رغم عزلة هذا الموقف إقليمي؟ وهل يمكن اعتبار هذه السياسة استثمارا استراتيجيا طويل الأمد أم خطأ جيوسياسي سيؤدي إلى تقليص دورها في القارة؟

الأهم من ذلك، كيف ستؤثر هذه العزلة على المستقبل السياسي والاقتصادي لرواندا؟

في ظل هذه التساؤلات، يبقى على رواندا إعادة النظر في سياستها الخارجية لتجنب خسائر أكبر على كافة المستويات.