بقلم: زكية لعروسي
في إطار الاحتفال باليوم العالمي للثقافة الإفريقية والأفرو-منحدرة، تشهد العاصمة الإسبانية مدريد حدثًا ثقافيًا استثنائيًا يومي 24 و25 يناير 2025، حيث تستضيف قافلة الكتاب الأفارقة (CAAD). هذه القافلة، التي تمثل مشروعًا فكريًا وثقافيًا، تسعى إلى تسليط الضوء على الأدب الإفريقي وإبداعاته، الذي ظل مهمشًا في الأوساط الأوروبية لفترات طويلة. تأتي هذه الفعالية بدعم من منظمة اليونيسكو ومبادرات ثقافية متعددة، لفتح أبواب جديدة أمام الكتاب الأفارقة في المهجر، وربط الأدب الإفريقي بالهوية العالمية.
تظاهرة ثقافية بأبعاد إنسانية وحضور استثنائي
نُظِّم الحدث برعاية جمعية ASIS في إسبانيا بالتعاون مع منظمات ثقافية من فرنسا وبلجيكا والسنغال، وحظي بحضور واسع من كبار الأدباء والمثقفين من مختلف الدول الإفريقية. يعكس هذا الملتقى صورة حيّة لتنوع الثقافة الإفريقية وغناها، حيث امتزجت الأصوات الأدبية واللغات المختلفة في لوحة فنية بديعة تُبرز الروح الإفريقية.
كان للأدب المغربي حضورٌ بارزٌ ضمن الفعاليات، حيث شاركت الكاتبة والشاعرة المغربية فاطمة اشبيبان بن نصار، التي أبهرت الجمهور بإبداعها وحضورها اللافت، مؤكدة دورها كمحور ثقافي بين إفريقيا والمهجر العربي. تعتبر بن نصار، المعروفة بلقب “سفيرة إفريقيا للحلول”، نموذجًا حيًا للهوية الثقافية المشتركة بين العرب والأفارقة، حيث قدمت قراءات شعرية تمزج بين التراث المغربي والإفريقي. إلى جانبها، تألقت أصوات نسائية مغربية أخرى مثل أمينة دياج وليلى المليس وآمال الصالحي، اللواتي قدمن نصوصًا تجمع بين الأصالة والتجديد، ما يعكس نبض الأدب الإفريقي-العربي.
الأدب الإفريقي: رسالة إنسانية تتجاوز الحدود
من بين المشاركات المميزة الأخرى، كان حضور الكاتب والصحافي والمؤلف المسرحي الجزائري أعمر بن حموش الذي قدم نصوصًا بالأمازيغية والعربية والفرنسية، مسلطًا الضوء على قضايا الثقافة الأمازيغية والهوية الإفريقية في المهجر. إذ يعتبر هذا الأخير من أكبر المناضلين عن الهوية القبايلية بالمهجر. ومواقفه النحالين المتعددة تشهد له (محند تافركا، بوعلام صنصال ومحمد تاجاديت).
كما شارك الروائي والشاعر السوداني الكبير والمعروف دوليا في العالم العربي بتقديم نصوص شعرية باللغة العربية بأسلوب شعري مميز مستوحى من روحه الثورية الصوفية وكيف. لا. وهو الذي عرف كبار كهنة الشعر كمظفر النواب ودرويش.
أما الشاعرة الكاميرونية سابين مانج فقدمت قصائد حية جسدت عمق الهوية الإفريقية وروحها النابضة بالحياة، مما أضاف بُعدًا إنسانيًا مميزًا للفعالية.
مدريد: محطة البداية لقافلة طويلة
تعد محطة مدريد نقطة انطلاق لمسيرة القافلة التي ستواصل رحلتها إلى مدن أخرى، بدءا ببلدنا الحبيب المغربية ودول إفريقية وأوروبية أخرى. من المتوقع أن تجمع المحطات القادمة بين نخبة من الكتاب والشعراء الأفارقة لتعزيز الحوار الثقافي وإعادة اكتشاف التراث الإفريقي.
نداء للمسؤولية: احتضان القافلة وحمايتها من التهميش
تمثل هذه القافلة مشروعا طموحا لإبراز التنوع الثقافي الإفريقي وتعزيز التعاون بين الشعوب. ومع ذلك، تحتاج القافلة إلى دعم مستمر من الجهات الثقافية والدولية، لا سيما من السفارات والممثلين الثقافيين، لضمان استمرارية مسيرتها وتحقيق أهدافها النبيلة.
يظل التساؤل قائما: هل سنكون قادرين على احتضان هذه الجمال الإفريقية، أم ستُترك لتتوقف أنفاسها في منتصف الطريق؟ إن مسؤوليتنا كمثقفين ومؤسسات ثقافية تكمن في ضمان استدامة هذه الفعالية، وإبقاء جذوة الأدب الإفريقي متقدة، باعتباره جزءا من التراث الإنساني الذي يثري العالم بأسره.