بقلم: زكية لعروسي
على خطى التاريخ وتقاليد الكرم والجوار، شهدت مدينة بوزنيقة المغربية لقاءً جديداً يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024 بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي، وهما الجهتان الشرعيتان اللتان تحملان على عاتقهما مسؤولية التشريع في ليبيا. كان الهدف الأسمى من هذا الاجتماع هو التوصل إلى توافق حول الانتخابات المقبلة بشقيها الرئاسي والتشريعي، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، والمضي قدماً نحو مصالحة وطنية شاملة تُنهي سنوات الفوضى والانقسام.
فمنذ توقيع الاتفاق السياسي التاريخي بالصخيرات سنة 2015، والذي وُصف بأنه “منارة الأمل” للشعب الليبي، يواصل المغرب جهوده الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد الشقيق. وقد عبر الطرفان الليبيان في البيان الختامي، الذي تلاه صلاح ميتو، عن امتنانهما العميق للمملكة المغربية ملكاً وحكومةً وشعباً، تقديراً لدورها الكبير في توفير المناخ الملائم للحوار وتقريب وجهات النظر، على الرغم من المؤامرات والمكائد الإقليمية.
إن هذا الموقف المغربي يُعيد للأذهان المثل العربي الشهير: “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”. فقد حاولت أطراف إقليمية معروفة، وعلى رأسها النظام الجزائري، عرقلة هذا الحوار واستغلال الانقسامات الليبية لأغراضها السياسية، لكن جهودها باءت بالفشل. المغرب كان ولا زال حاضنا للتاريخ وصانعا للاستقرار. متعاليا عما يحاك من مؤامرات.
لم يكن مفاجئاً أن ينظر النظام الجزائري إلى هذه الخطوة المغربية بعين الريبة، مسلطاً أدواته الإعلامية والدبلوماسية لتشويه المبادرة بالرغم من ضعف رؤيته. فقد وصف المتابعون الرسالة التي وجهها الطاهر سالم الباعور، وزير الخارجية المؤقت في حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، بأنها رسالة “مُلقاة من وراء الستار الجزائري”، حيث تضمنت اعتراضاً غير مبرر على استضافة المغرب لهذا اللقاء دون “تنسيق مسبق” مع الحكومة الليبية. لكن كما يقول المثل الشعبي: “القافلة تسير والكلاب تنبح”، فإن هذا التصرف لم يلقَ سوى استغراب ورفض من الجهات الليبية نفسها.
قد جاء الرد الليبي واضحاً وحاسماً، إذ عبر المجلس الأعلى للدولة عن استغرابه من بيان الخارجية الليبية المؤقتة، مؤكداً على مبدأ الفصل بين السلطات ورفض أي تدخل غير مبرر في شؤون البرلمان الليبي بغرفتيه. كما شدد على أن هذه الاجتماعات تنطلق من استقلالية القرار الليبي بعيداً عن أي ضغوط أو إملاءات خارجية.
وأضافت لجنة التنسيق بين المجلسين رسالة قاسية: “نحن لسنا بحاجة إلى إذن من أحد لعقد اجتماعاتنا سواء داخل ليبيا أو خارجها”، مشيدة بالدور المغربي الأخوي الذي لطالما دعم الشعب الليبي في أصعب لحظاته.
بينما يحاول النظام الجزائري، الذي وصفه البعض بـ”تيتانيك المرادية”، التشبث بأوهام السيطرة الإقليمية، يتضح جلياً أن سياساته تقوده نحو الغرق المحتوم. وكما قال أحد الحكماء: “من لا يُحسن السباحة يغرق في بحر الطموحات الفارغة”، فإن المحاولات الجزائرية المتكررة لضرب الاستقرار الإقليمي لن تؤدي إلا إلى تعميق أزماته الداخلية والخارجية.
في المقابل، يظل المغرب مثالاً للدولة التي تجمع بين الحكمة السياسية والكرم الأخوي، حاضناً للسلام ومدافعاً عن استقرار جواره الإقليمي. وفي ظل هذه الجهود المباركة، يبقى الأمل معقوداً على أن يعم السلام أرض ليبيا قريباً، وأن تكون المصالحة الوطنية الليبية شاهداً جديداً على نجاعة السياسة المغربية وحسن نواياها. “فالصلح سيد الأحكام”، والمغرب سيد المواقف.