رُبّ ضارّة نافعة (بشأن قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير)

بقلم: عبد الدين حمروش

 

تداعت دول الاتحاد الأوروبي، ومنها الكبرى المؤثرة، إلى تأكيد الشراكة الاستراتيجية، التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وقد جاء هذا الصوت الإجماعي لدول الاتحاد في علاقتها بالمغرب، بُعيد الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبي، القاضي بعدم قانونية الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة، بدعوى شمول هذه الاتفاقات أقاليمه الصحراوية. غير أن قرار محكمة العدل الأوروبية، وعلى الرغم من طابعه السياسي الواضح، المُعاكس للتطور الإيجابي الذي يشهده مسار حل قضية الصحراء المغربية، جاء ليظهر ” شيئا” جديدا لم تكن المناسبة لتواتي سابقا، للتعبير عنه بهذا الوضوح وهذه القوة، وهو: تشبث دول الاتحاد الأوروبي بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب.

وبدل أن يتمّ عزل المغرب، عبر القرار القضائي الصادر، بشأن الاتفاقات التجارية الموقعة، قامت محكمة العدل الأوروبية بعزل نفسها بنفسها، بفعل الإجماع الذي عبرت عنه دول الاتحاد، من خلال إعلان تشبثها بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب. صدور قرار المحكمة، القاضي ببطلان الاتفاقات التجارية، مشكلة أوروبية وليست مشكلة مغربية. وخيرا فعل المغرب، بعدم تقديم نفسه طرفا في التقاضي. ولذلك، فالمشكلة المطروحة، التي استدعاها الحكم الصادر، هي بين الاتحاد الأوروبي ومحكمته الأوروبية. فالمغرب لم يوقع الاتفاقات مع المحكمة، ولا طلب منها المصادقة على الاتفاقات الموقعة.

يمكن قراءة تشبث دول الاتحاد بالشراكة مع المغرب، في إثر القرار القضائي الصادر، باعتباره رفضا لقرار محكمة العدل الأوروبية، وبالمقابل تأكيدا على الالتزام باستمرار مفعولية الاتفاقات الموقعة. ومن حيث لم يتوقع أصحاب القرار، ولا المبتهجون به من الانفصاليين وحُكّام المرادية، فإن ما أعلنت عنه المحكمة أفرز إجماعا أوروبيا على مغربية الصحراء. إن معظم الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي أصدرت بيانات تؤكد الاتفاقات الموقعة مع المغرب، من منطلق كونه حليفا استراتيجيا لا يمكن التفريط فيه.

لقد كان بإمكان المحكمة الأوروبية أن تأخذ بعين الاعتبار أحكاما أخرى، منها حكم القضاء البريطاني الذي أكد قانونية الاتفاقات التجارية التي تشمل أقاليم المغرب الجنوبية. ولذلك، يبدو واضحا المضمون السياسي لقرار محكمة العدل الأوروبية، كما توقع المغرب، وأكد بعد صدوره. ومثلما قلنا، فقرار المحكمة هو مشكلة أوروبية. وإذ تلتزم المملكة باستمرارية اتفاقاتها مع دول الاتحاد، فإنها ترفض المساس بشموليتها. لقد وصلت الرسالة المغربية. وأعتقد أن دول الاتحاد فهمتها، ما دعاها إلى تأكيد شراكتها الاستراتيجية مع المملكة.