حشَّان أو ثائرة الجليل

*بقلم: المصطفى غزلاني

 يقترب الرجل. يقترب السيد حشان. يقترب. يبدو الخطو حازما في قصده. هو ربما مقصدٌ دقيقٌ رقيقٌ حتى كأنه لا يعني العالم في شيء. مقصدٌ دقيقٌ جدا. فجأة، يباغتك بابتسامة بالغة الرقة كأنها تخشى الحياد عن الصدق – كل ما تبقى، وبنظرة مركزة خاطفة تسبر المرأى قبل أن تعود إلى عادة المشاهدة. لكن، لا شيء يؤشر على أن الرجل سيخوض في الحديث أم سيغوص في السكات.

“حفظك الجليل”، عبارة السيد حشان للاستهلال، للختم وللامتنان. لا بد أن العبارة تحلو للسيد إثر كياسة أدبية يستشرها.. لا بد أنه يشعر بفظاعة مّا، بفداحة مّا لا يقينا منها إلا الجليل.

“الثائرة ” أو النافرة، الغاضبة، الهائجة، السّاخطة، الحرون… أو هكذا شاء السيد حشان أن يسم عمله هذا بتقنية مختلطة على الورق في حجم عمودي يليق بالغاضبين. وعلى الورق أن يساير رهافة الحالة رغم ما يمكن لها أن تحدثه من دمار.

بسخاء دون إنذار، دنا مني السيد حشان وطفق يحكي الحدث المهيج للحالة الابداعية التي أفرزت من بين ما أفرزت هذا العمل: الثائرة.

جسد في حالة تحول مستحيلة أو تكاد. بشيء من التأويل يستخلص الرائي جسد امرأة ماعدا اهليليجية الرأس، تغيب كافة أطرافه وتتداخل في بعضها البعض و في ما يأتي من الغير.. خلف الرأس هالة سوداء، سواد الشعر ربما، سواد اللحظة الماضية القريبة جدا من الأن . أجساد أخرى تعلق ب”الثائرة”! لا شيء يخبر عن مقدمها، أهو إرث من ماضي أيامها أم هي أوهام حلم ظل يرمي بها إلى سراديب الاتي أبدا?! أجل، في سبيل ملاحقة الحلم /السراب تتخلص الثائرة من كل شيء ، من وعيها حتى.

  تمشي “الثائرة” في اللامكان: لا أيْنَ لها. نظرة فارغة من سواد أو في سواد، فم فاغر إثر انزياح الصوت عن الكلام.. كأن لا شيء يحدث قطعا أو كأن كل شيء حدث الأن هنا. بنظرة مركزة خاطفة انخرط السيد حشان في زمكانية “الثائرة” ليرمي لنا ببعض أثارها الجريحة، هكذا، على ورق في تقنية مختلطة غاضا الطرف على الكثير من الدقائق، وبخفة عصيبة حَفّنَت لنا هذا الثًّفل لترمي به في عيوننا كدقيق الزجاج.

لكن، السيد حشان، وبحيلة العارف لما قبل العمل ولما بعده، جعل للسّاخطة أساور من ذهب على معصميها، وعلى الرأس أو ما شابه، تاجا ذهبيا نورانيا ربما ليسهل لنا ابتلاع الألم، ربما ليدعونا بكياسة ماكرة إلى وليمة الغضب أو إلى التفكير في ما وراء الظواهر أو ربما ببساطة ليدع تعويذته السيارة: حفظك الجليل.. ههنا، حيث نقف جميعنا أمام هول الفاجعة، أمام خراب الكينونة والأمر سواء أ عابرين كنا أم مدققين.

فنان تشكيلي، شاعر وروائي*