كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي أرعب إسرائيل (بقلم: زكريا عمر)

بعد ان تم تسريب خبر قرب صدور مذكرة توقيف نيتانياهو و مساعديه و بعد تداوله على نطاق واسع لأيام في المنابر الدولية ، قام بالفعل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيد كريم خان، وفقا للفقرة الثالثة للمادة 13 و المادة 15 من قانون روما الأساسي ،الذي بموجبه تم انشاء المحكمة الجنائية الدولية ، بالاعلان عن مباشرة التحقيقات في جرائم تدخل تحت اختصاصات المحكمة. و في خاتمة إعلانه فال خان ‘ دعونا اليوم نكون واضحين بشأن قضية أساسية واحدة: إذا لم نظهر استعدادنا لتطبيق القانون على قدم المساواة، وإذا نظر إليه على أنه يطبق بشكل انتقائي، فسنقوم بتهيئة الظروف لانهياره’. (منقول عن جريدة اليوم السابع)

طبعا لم يفلت كريم من الضغوطات السياسية التي مورست عليه من طرف الحليف الأمريكي لإسرائيل، مثلما كان عليه الحال مع سابقته المغربية فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية حين باشرت تحقيقات حول تورط مسؤلي إسرائيل و الولايات المتحدة في انتهاكات في أفغانستان و فلسطين. و لقد راينا الحوار المنقول من مقر مجلس الامن بين كريم خان و السفير الروسي حين ندد هذا الأخير بالضغوطات التي يتعرض لها المدعي العام و كيف رحب كريم خان بدعم أي دولة لعمل المحكمة الجنائية الدولية و ان كان الداعم هو روسيا، و لا ننسى ان المحكمة أصدرت مذكرة توقيف ضد رئيسها بوتين بعد طلب من كريم.

و في بادرة وصفت بانها فاجأت الكثير، منهم الولايات المتحدة على الاخص، اعلن كريم خان انه طلب من المحكمة اصدار مذكرات توقيف في حق رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو و وزير دفاعه كالانت و قائدي حركة حماس يحيى السنوار، محمد الضيف، و اسماعيل هنية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في غزة و في اسرائيل (فوق الاراضي الفلسطينية) . و الجدير بالذكر ان كريم خان في استراتيجيته لم يحبد اضافة جريمة الإبادة الجماعية لصعوبة اثباثها، رغم ان محكمة العدل الدولية، و التي تبت في النزاعات ما بين الدول بينما تتتبع المحكمة الجنائية الدولية الجرائم الفردية، امرت إسرائيل باتخاد تدابير مؤقتة و بالوقف الفوري للهجوم العسكري على رفح خشية الإبادة الجماعية.

و بما ان القانون الدولي توافقي فإنه لا يمكن تطبيق ما تتضمنه معاهدة او اتفاق دولي على دولة لم توافق او تصادق عليه. فما الذي سمح للمدعي العام طلب اصدار مذكرة توقيف ضد مسؤولين اسرائليين رغم ان دولتهم ليست بطرف في المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية؟ يوجد تفسير لهذا. الجرائم ارتكبت فوق اراضي دولة فلسطين و هي طرف في اتفاقية روما. و يذكر انه بعدما منحت الجمعية العامة في قرارها 67/19، الصادر في 2012، فلسطين صفة دولة غير عضو تتمتع بصفة مراقب في الأمم المتحدة تمكنت فلسطين من مباشرة طلب الانضمام إلى نظام روما الأساسي الذي تم فعليا سنة 2015 حين أعلنت فلسطين قبولها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

ام النقطة الثانية فتخص كون المحكمة الجنائية الدولية مكملة، أي انها لا تحل محل النظم القضائية الجنائية الوطنية ،وإنما تكملها. فلا يجوز للمحكمة أن تحقق مع الأفراد إلا إذا لم تقم الدولة المعنية بذلك أو كانت غير راغبة في القيام بذلك أو غير قادرة حقاً على القيام به.

ماذا بعد؟ فبموجب المادة 58 من القانون الأساسي لروما تقرر دائرة ما قبل المحاكمة او الدائرة التمهيدية و المكونة من ثلاثة قضاة على الأكثرفي مذكرة التوقيف وتوجيه استدعاءات للحضور بناء على طلب المدعي العام. كريم خان. و يتوفر هذا الأخير على تجربة مهنية مرموقة و دافع على متهمين كانوا محل جدل كسيف الإسلام القدافي بعد احداث الربيع العربي و ويليام روتو نائب الرئيس الكيني لضلوعه في جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية. اذن فمن المتوقع ان تقبل المحكمة الجنائية الدولية طلبه و تصدر أوامر باعتقال نيتانياهو و قياديي حماس. و رغم موافقة الدول الأطراف على اعتقال المتهمين اذا قاموا بزيارتها الا ان السيادة الوطنية المرتبطة بمصالح الدول هي سيدة الموقف. و لقد شهدنا كيف يمكن لأكبر المدافعين عن القانون الدولي كجنوب افريقيا تجاهل مقتضياته لاعتبارات أخرى حين رفضت اعتقال عمر البشير، الرئيس السوداني، الذي حضر قمة الاتحاد الافريقي في 2015 و غادرها رغم انه تحت امر بالاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية

نجد أسس انشاء المحكمة الجنائية الدولية في  ديباجة قانون روما الأساسي الذي يؤكد أن ‘أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ‘ – و هي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان- ‘ يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني….’. و لقد وقعت 120 دولة طرف على اقانون روما سنة 1998 و دخل هذا النظام حيز التنفيد في 2002 بعد ان صادقت عليه 60 دولة.