المؤرخ و المفكر عبد الله العروي يرد على الرئيس تبون و المجلس الأعلى للأمن الجزائري: في نقد الاتهام بالتوسعية … (عبد الحميد جماهري)

بقلم: الكاتب و الصحفي عبد الحميد جماهري

 

لفهم المتحكمات الايديولوجية في السلوك السياسي والحربي للنخبة الجزائية، يعود عبد الله العروي إلى التصور الاصلي الذي شكلته عن هذا البلد الجار. وعن الطبيعة « الاصلية» للمغرب في تصورها!

و هو في ذلك يلجأ إلى تأريخ يومي لاطوار وتمظهرات التناقض الجاري بين البلدين وفي ذلك يلجآ الي تدويناته اليومية، ومتابعة الاحداث والنقاشات التي فرضتها اقفاص الكوفيد وقضبان سجنه المفتوح.

في تدوينة له الخميس 19 غشت 2021، (ضمن كتابه الصادر بالفرنسية تحت عنوان دفاتر موفيد) صدى لما راج من البيانات، والحوارات والبلاغات وما غطته من مواقف سياسة بين المغرب والجزائر.

نقرأ ماكتبه ونحن نستحضر خطابات الملك محمد السادس ولعل اهمها خطاب العرش لتلك السنة، والذي وجه فيه الملك دعوة صريحة إلى حكام الجزائر من اجل مستقبل اكثر انفراجا صارت تعرف بدعوة »اليد الممدودة«. وفي المقابل كانت هناك قرارات أتخذتها الجزائر او خطوات قامت بها، ومنها حوارات رئيسها عبد المجيد تبون ولقاءاته ذات الطبيعة الحاسمة، ومنها علي وجه الخصوص لقاؤه مع انطوني بلينكن وزير خارجية امريكا. كما يحضر في ذهن القاري ولا شك ألباب الذي اصدره المجلس الاعلى للامن ، والذي قرره وقتها الوزير رمضان لعمارة بخصوص قطع العلاقات مع المغرب.

وهو، في تقدير الموقف يحسم بأن العلاقات بين المغرب والجزائر لن تتحسن في القريب … وله في ذلك مرتكزات، هي التي سميناها المحكمات الايديولوجية والسياسية، والتي تجعل نظرتهم الى المغرب تقوم علي المقدمات التالية والاوليات المتحكمة
التالية:

ـ المغرب امبراطورية شريفة تسعى الي استرجاع كل الاراضي التي فقدتها طوال القرون الاربعة الأخيرة (منذ القرن السادس عشر).

(والمغرب حسب العروي لا يبذل مجهودا من اجل ثنيهم عن هذا الاعتقاد، ولكن الاهم من ذلك ، فهو يتساءل لماذا يجدون اذانا صاغية عند الكثير من مخاطبيهم؟)..

ـ وعي الجزائريين بأن بلادهم التي ورثوها لا علاقة لها بجزائر 1830، اي التي دخلها الاستعمار الفرنسي. ـ الجزاير التي يتحدثون عنها ولدت في 1962 مع اتفاقيات ايفيان بالضبط،

ـ الجزائريون يعرفون ان ثلاثة ارباع الجزائر الحالية لا تنتمي الي الجزائر العثمانية او التركية بل تم دمجها رويدا رويدا في المستعمرة الفرنسية.. ( وفي هذا الوقت لمن كانت الاراضي تابعة؟ واذا عرفنا بان ساكنتها مسلمة، خلافا لأفريقيا السوداء لا يمكنهم ان يظلوا بدون بيعة والا باسم أي سلطان تقام خطبة الجمعة؟ والبيعة اجباريا لا بد لها ان تقام لسلطان مسلم هو الاقرب لديها ولا يمكنه ان يكون سوى ملك المغرب).

ومن الواضح، و في سياق التحقيق الزمني لهذه التدوينة آنها صدى لما قامت به النخبة الحاكمة في الجزائر ولعل من أهم محطاتها الحديث المطول لرئيس الجزائر مع انطوني بلينكن ، وقد جاء فيه ما يشوف هذه المرتكزات الجزائرية.

ونورد هنا مقطتفات دالة عن التوهم النظامي الذي يري في المغرب دولة توسعية، وقد جاد في حديث تبون يا يلي:«

ـ لن ينسى أي جزائري أن المغرب هاجمنا عام 1963.

ـ كانوا يهدفون إلى أخذ جزء من أراضينا.

ـ في وقت لاحق رفضوا الاعتراف باستقلال موريتانيا منذ عام 1960

ـ المغرب كان لديه مطالبات إقليمية على كل موريتانيا.».

ومعلوم كذلك، كما سبق ذ كره أن المجلس الأعلى للأمن الجزائري كان قد قرر، إعادة النظر في العلاقات بين الجزائر والمغرب، وذلك خلال اجتماع استثنائي بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون. وفي بلاغ القطيعة ما يزكي نفس قواعد السلوك المكسورة أعلاه..

ويذهب العروي الى عمق ما تنبني عليه أسطورة التوسيع المغربي الجزائرية، ويفكك هذا التوهم على قواعد عقلانية وتاريخية، لا تغيب عنها بعض اللمسات الحجاجية و الترافع السجالي. ومنها أساسا:

ـ المغرب لا يطالب باراضي ضاعت منه في الماضي السحيق بل يطالب بتراب قدم له سكانها البيعة قبل سقوطه تحت نير الاستعمار، مند ستين سنة فقط كما هو حال تندوف..

ـ يمكن اتهام المغرب بنزعة وحدوية راديكالية لا تقبل التنازل، كما يوجد مثلها في الكثير من البلدان ولكن لا يمكن اتهامه مطلقا بالتوسعية.

ـ وبالنسبة للجزائريين، ما دام المغرب لم يعلن رسميا تخليه عن أية مطالب ترابية (من بينها الصحراء ولا شك) فسيظل بلدا توسعيا!

ـ سيظل المغرب كذلك خطرا على وحدة الجزائر كما حددتها اتفاقية ايفيان.

(ويدنا المؤرخ في هذا الباب بأن هاته المواقف تم التعبير عنها من طرف الراحل عبد العزيز بوتفليقة في تلمسان ابان مفاوضات 1972 والتي خلقت ازمة في الوفد المغربي الذي قاده الحسن الثاني انذاك ولعله كان سببا في محاولة انقلاب عسكري وقتها بدون أن يوضح العروي حيثيات الربط بين الموضوع وبين محاولات الانقلاب)..