يقصد بأعمال البرلمان من جهة الأعمال التشريعية، وهي القوانين التي يتخذها البرلمان في الميادين والمجالات المحددة حصرا بالدستور في الفصل 71، وفي فصول أخرى منه، والتي تصدر وفق مسطرة تشريعية خاصة، كما يقصد بها من جهة أخرى الأعمال البرلمانية وهي أعمال صادرة أيضا عن البرلمان لكنها لا تخضع للإجراءات الشكلية المتبعة في سن القوانين و تتخذ شكل قرارات إدارية وعقود إدارية. وهذه الاعمال لا تثير اي مشاكل نظرا لطبيعتها الادارية الواضحة.
وعليه سوف نقتصر فقط على مسؤولية الدولة عن القوانين .
حدث تطور مهم في موقف القضاء الإداري الفرنسي، من دعاوى التعويض المرفوعة ضد القوانين، وبالتالي من مسؤولية الدولة عنها. وذلك بعد أن كان لا يقبل هذه الدعاوى، إلا في حالتين فقط؛ وهما حالة وجود عقود أبرمت مع الدولة، و حالة صدور نصوص قانونية صريحة في منح التعويض عن الأضرار التي تصيب المتضررين منها..
وقد استمر مجلس الدولة الفرنسي في رفض الحكم بالتعويض خارج هاتين الحالتين إلى غاية 13 يناير 1938 حيث أصدر قرارا في قضية LA FLEURETTE دشن به مرحلة جديدة في مجال مسؤولية الدولة عن القوانين.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الدولة الفرنسي، أقر المسؤولية عن القوانين في هذه القرارات، ليس على أساس الخطأ وإنما على أساس المخاطر.
وبخصوص المغرب ،صدرت بعض الأحكام عن المحاكم الإدارية، تضمنت في معرض حيثياتها ما يفيد أن القاضي الإداري المغربي أخذ يقر بمسؤولية الدولة عن القوانين وإن كانت هذه الأحكام لا تتعلق في أصلها بدعاوى تعويض مرفوعة ضد قوانين، وإنما ضد قرارات إدارية.
كما صدر حكم رقم 5000 عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 2018 /11/28 ، بينت فيه المحكمة الحالات التي ترتب فيها الاعمال التشريعية للبرلمان مسؤولية الدولة، فصرحت بأن الدولة مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن الأعمال التشريعية الصادرة عن البرلمان ،إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو استنادا إلى نظرية المخاطر أو على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، وبأن إقرار هذه المسؤولية لايتعارض مع مبدأ فصل السلط الذي أقره الدستور ومع مبدأسيادة الدولة .
يكتسي هذا الحكم أهمية خاصة ويشكل منعطفا مهما في القضاء الإداري المغربي ، نظرا لما يقره من مسؤولية الدولة عن القوانين، وبالتالي من إمكانية رفع دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها، بعد أن سكتت لمدة طويلة، متأثرة بالاجتهادات الفقهية الحديثة واجتهادات مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال.
وبتاريخ 11يوليوز 2023 ،تقدم الفريق الحركي، بمقترح قانون يقضي بالحق في التعويض عن الأضرار الناجمة عن القوانين ،وقد جاء في هذا المقترح أن الدولة مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن القوانين الصادرة عن البرلمان، استنادا إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة .وأنه يحق للأفراد طلب التعويض عن مختلف الأضرار المترتبة عن القوانين في إطار مبدأ المساواة بين كافة المواطنات والمواطنين في تحمل الأعباء العامة وأن المحاكم الإدارية هي المختصة بالبت في الطلبات الرامية إلى التعويض عن الأضرار الناجمة عن القوانين.
عموما ،نرى أن هذا المقترح الذي تقدم به الفريق الحركي الذي يقضي بالحق في التعويض عن الأضرار الناجمة عن القوانين ،هو مقترح مهم ونثمنه ونوصي بضرورة اعتماده من قبل الحكومة ،لأنه يعزز دولة الحق والقانون ،ويكرس مبدأ المساواة ومبدأ جبر الأضرار التي قد تتسبب فيها القوانين ،لاسيما وأن قضاءنا الإداري على غرار القضاء الإداري الفرنسي أخذ بمبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية.
وكما نرى ايضا ان المادة الثامنة من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية ،صريحة في منح الاختصاص للمحاكم الإدارية للبت في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ،بما في ذلك مسؤولية الدولة كشخص معنوي عام عن الأعمال التشريعية الصادرة عن البرلمان . نظمت شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، يوم أمس الخميس موافق 16 ماي الجاري، ندوة تمحورت أشغالها حول موضوع “تحديات العمل البرلماني ورهانات النجاعة”.
اللقاء عرف حضور ثلة من الأساتذة الذين قدموا مداخلات في الموضوع، ضمنها مداخلة الدكتورة نجاة خلدون؛ أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، متخصصة في القانون العام، ولها عدة إصدارات ومقالات فضلا عن مشاركتها في العديد من اللقاءات العلمية. مثال عنوان المقال: الأستاذة نجاة خلدون تقارب موضوع “مسؤولية الدولة عن أعمال البرلمان” خلال ندوة علمية