بين الفينة والأخرى، ينشط الحديث عن السياحة الداخلية: اهمية الإقبال عليها، وضرورة الاعتناء بها، من قبل الدولة، والفاعلين في الميدان. هل الدعوة إلى هذا النمط من السياحة ذات مصداقية على أرض الواقع؟ ما الذي هيأته الدولة وفاعلوها، حتى تدفع المواطنين إلى الإقبال عليها؟
عادة ما يزعم البعض ان الدعوة إلى السياحة الداخلية تكثر، حين يخف إقبال السياح الأجانب على البلاد. وعند هؤلاء، فإن هذه السياحة قدر لها ان تقوم بدور التعويض، عما يخسره القطاع السياحي، جراء انخفاض منسوب قدوم السياح الأجانب، لسبب من الأسباب (أمنية، ديبلوماسية، مناخية، وبائية). إذا ما تأكد دور المعاوضة هذا، الذي تستهدفه بعض الدعوات، فإننا سنخلص إلى ان التشجيع على السياحة الداخلية الداخلية غير حقيقي.
ومثلما يوجد تنافس بين الوجهات السياحية في الخارج، بين جميع الدول ذات العروض السياحية، من اجل استقطاب السياح، يلاحظ وجود تنافس في العروض، بين تلك المقدمة للأجانب (وضمنهم المواطنون المغتربون في بلدان المهجر)، وتلك المقدمة لمواطني الداخل. ذلك ان ميزان التنافس بين الشريحتين مختل، بحكم اختلال مستوى العيش بين السياح الخارجيين والسياح الداخليين. وحينما تكون العروض واحدة، حيث تحتد المنافسة عليها، فإن الاستفادة تكون لصالح “الخارجيين” على حساب “الداخليين”، وبخاصة خلال فترات الذروة السياحية (أي خلال شهري يوليوز وغشت تحديدا). اما خارج هذا الإطار الزمني، فبإمكاننا الحديث عن بعض الفترات، ضمن أشهر السنة المتبقية وايامها، حيث تتسم العروض بنوع من الرفق على مستوى الأسعار، ما يجعلها في متناول السياح الداخليين، أو قريبا من ذلك.وبحكم الاختلالات التي يعرفها قطاع السياحة ببلادنا، ومن بينها ارتفاع أسعار العروض السياحية، وضعف جودته وتنوعه،فإن السياح الداخليين سرعان ما يتحولون إلى سياح خارجيين، في أوروبا وفي غيرها. فاحتساء كأس قهوة، وهو مجرد مثال للقياس فقط، يكون ثمنه أكثر من نظيره في إيطاليا في أحيان كثيرة. إذن، كيف يمكن ان تستقيم الدعوة إلى السياحة الداخلية، في ظل وجود عروض أخرى أكثر تنافسية في البلدان الأجنببة (ايطاليا، اسبانيا، البرتغال، تركيا).
هكذا، يفقد المغرب ما ربحه من سياحه الأجانب، بفقدانه فئات واسعة من سياحه الداخليين، لصالح تركيا أو إسبانيا. ولولا الصعوبات، التي تقف في وجه المتقدمين للحصول على “فيزا شنغن”، لوجدنا عديدين يغيرون وجهاتهم السياحية إلى الخارج، وبخاصة في ظل ارتفاع أسعار العروض المتواصل بالمغرب.
ان من بين مؤشرات عشوائية القطاع السياحي، غياب عروض أصيلة موجهة إلى السائح المغربي، في محتوياتها واسعارها. هذا، كما ان انفتاح القطاع على متدخلين غير مهنيين (خارج الفنادق، ودور الضيافة، والمطاعم)، منهم أصحاب البيوت المجهزة للكراء، خلال فترات معينة، كثيرا ما يضر بجودة العروض، وتنافسيتها الواقعية. فضلا عن ذلك، فان اولئك المتدخلين العشوائيين لا يلتزمون بمعايير الجودة، ولا يؤدون أية ضرائب يستفيد منها القطاع في الأخير، وبالتالي لا يساهمون في تنميته.
في المغرب، هناك عروض واحدة، بحيث لا فرق فيها بين سياحة داخلية وأخرى أجنبية. وحتى ان كان هناك عزم على التوحيد، فينبغي حماية القطاع من العشوائية من جهة، والتحكم في أسعار العروض، التي لامست عنان السماء في السنوات الأخيرة، من جهة ثانية. فحتى السياح الاجانب، بفعل التضخم والأزمة في دول الاتحاد الاوروبي، بدؤوا يرفضون هذا الارتفاع في أسعار العروض، بدون حسيب ولا رقيب..فكيف بالمواطن ذي الدخل المحدود.
ما من شك في أنه بات للمغاربة ميل إلى السياحة، والاستفادة من خدماتها. ان هناك ثقافة سياحية جديدة أخذت تتسع، في مقابل أخرى كانت تقتصر على زيارة الأقارب في المدن والبوادي. ومن ثم، فقد صار للمغاربة تفضيل للسياحة “الرسمية/الحرفية”، بدل السياحة لدى الأهل والأقارب. غير ان هذا الاتساع في الإقبال، تعترضه صعوبات ومشاكل، نظير ما تنطقه به كثير من الشهادات والمشاهد، عن ارتفاع الأسعار، وقلة التنظيم والنظافة، وغياب المرافق الترفيهية، والخدمية، والصحية.