بعظمة لسانه، الرئيس الجزائري يعلن عدم اعترافه بوجود جمهورية الوهم ! (بقلم: عبد السميح الورياغلي)

قال منسيوس، ثاني قدماء فلاسفة الصين أهميةً بعد كونفوشيوس : “الذين يتقدمون باندفاع كبير، يتراجعون بسرعة أكبر”. لكن عندما يجتمع الاندفاع مع البلادة والسذاجة في آن واحد، يخرج علينا رئيس الجزائر عبد المجيد تبون بتصريحات كشفت الغطاء عن ما تفتّقت عنه العقول المكيافيلية لجنرالات الجزائر من سيناريوهات بشأن المآل الذي يرتؤونه لقضية الصحراء المغربية.

هي في واقع الامر سيناريوهات بالغة الخطورة من حيث حمولتها السياسية، ظل الجنرالات يتداولون بشانها في الخفاء بين دهاليز قصر المرادية ومكتب شنقريحة، المتحكم الحقيقي في دواليب الحكم، إلى أن جاءت تصريحات تبون لتكشف ورقة التوت عن عورتهم وتدعهم أمام الملإ في موقف محرج جدا.

ذلك أنه خلال لقاء أخير مع الولاة، أطلق تبون العنان مرة أخرى لتصريحاته الغبية المعتادة والتي عادت خلالها حليمة لعادتها القديمة من حيث اختلاق الأكاذيب والاساطير التي جعلته محط تهكم وسخرية الرأي العام، مثل حكاية 36 مليار دولار التي زعم انها وُجدت في دولاب احدهم بمنزله!

يبدو انه للرئيس الجزائري عقدة مع تضخيم الأرقام! فهذا المبلغ الضخم لن تحتويه بالتأكيد شقة بأكملها. وهو ما دفع رجل الأعمال المصري المعروف نجيب ساوريس الى التغريد متهكما “36 مليار…الحجم المكعب قد يكون عمارة سكنية متعددة الأدوار او في نفق تحت الأرض…أين بالضبط؟”.

 

 

 

لكن لندع الان عقدة التضخيم المـَرضية التي تقلب المعايير في لب تبون. فقد عهدنا منه المبالغة في كل ما يمتُّ للكذب بصلة والصوم عن الصدح بالحق! ولنتطرق لاخطر ما تفوه به، مما سيكون له عواقب لا محالة في سيرورة قضية الصحراء المغربية، إنْ في دواليب مجلس الامن او فيما يخص تفاعل الساكنة المحتجزة بمخيمات الذل والعار بتندوف.

بعد أن أعاد تبون اجترار أسطوانته المشروخة بشأن ما أسماه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، خانه لسانه فنطق بالمحظور وأفصح عن ما يتداوله النظام العسكري الدكتاتوري بشأن المخرجات التي يرتئيها من وراء “تغرير” المصير هذا.

حسب الجزائر، فعلى الساكنة المحتجزة بتندوف أن تختار بين أن تصبح مغربية أو موريتانية وبالمقابل فليس لها أن تحلم أبدا بأن تصبح يوما ما جزائرية.
لهاته التصريحات دلالات خطيرة يجب أن يكون لها ما قبلها وما بعدها، أولها أنها تحمل اعترافا ضمنيا بأن الجزائر لا تؤمن أبدا بمبدأ تقرير المصير وإنما تتخذ القضية الصحراوية المفتعلة ذريعة ومطية في مواجهتها للمغرب في إطار صراع جهوي محض ليس إلا.

ثم هو استهجان خطير بالساكنة الصحراوية التي يختزل عسكر الجزائر ما كابدته من آلام الاحتجاز، منذ اكثر من نصف قرن، في ورقة بئيسة في إطار هذا الصراع المجنون، غير آبه بأجيال احتُجِزت احلامها وآمالها في مخيمات الذل والعار بتندوف.

ثم إن الجزائر تعلن بذلك ضمنيا تمردها على القانون الدولي الذي تتبجح بالمناداة بإعماله. ذلك أن القانون الدولي المتعلق باللجوء يضمن مبدئيا لما يسميه الجنرالات باللاجئين الحقَّ في الاختيار بين العودة للبلد الأصلي (المغرب) أو التوجه إلى بلد مغاير (موريتانيا مثلا) أو المكوث في بلد اللجوء (الجزائر حتما).

لكن أهم ما ورد في تصريحات الرئيس الجزائري كونها تضمنت اعترافا صريحا بأن نظام الجنرالات لا يؤمن أصلا بوجود دولة صحراوية وإلا فما كان ليحصُر مخرجات ما يسمى بتقرير المصير فقط في الانضمام للمغرب أو إلى موريتانيا. لماذا لم يشر تبون إلى إمكانية عيش هؤلاء تحت ظل ما يُسمى “بدولة صحراوية مستقلة” والتي ينادي ليل نهار بالاعتراف بها وأوجد لها عن باطل موطئ قدم في الاتحاد الأفريقي؟

بالتأكيد لا يُعزى هذا إلى زلة لسان وإنما إلى اندفاع كبير في الإفصاح عن سر خطير سرعان ما تم التراجع عنه بسرعة أكبر! يكفي أن نلقي نظرة في كل المواقع الجزائرية لفيديو لقاء الرئيس الجزائري مع الولاة لنكتشف أنها طالتها يد الرقابة. وحسب بعض المصادر فقد تم ذلك بأمر من رمطان العمامرة وشنقريحة، على إثر اجتماع أزمة مصغَّر جلدوا فيه تبون جلدا على ما وقع فيه من محظور.

على الأمم المتحدة أن تستخلص مما سبق ذكره خلاصات وتُرتِّب عنها نتائج فيما يخص أسطورة نظرية تقرير المصير لما يسمى بالشعب الصحراوي وعلى الساكنة المحتجزة بتندوف أن تستفيق من سباتها العميق وتتمرَّد على الدكتاتورية الجزائرية التي سحقت آمالها ومحقت مستقبلها وللدبلوماسية المغربية، في تصريحات تبون هاته، أوراق جديدة لدحض مزاعم خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية أمام المنتديات الأممية والدولية والجهوية.