صادقت الحكومة الاتحادية الروسية على اتفاقية التعاون، في مجال الطاقة النووية، بين المغرب وروسيا اخيرا. وقد انتظرت الاتفاقية أربع سنوات، حتى تنال موافقة الروس. وعلى الرغم من تاخر المصادقة، فإن المغرب ربح رهانا تقنيا دقيقا، في مجال توطين التكنولوجيا النووية، بما يمكنه من الإجابة عن التحديات الطاقية المتفاقمة بالبلاد. تنويع مصادر الطاقة، من البحث عن الاحفورية إلى الهيدروجينية، فإلى النووية، يعبر عن ارادة سياسية، لتجاوز ما من شأنه ان يعيق توسع الاقتصاد الوطني، وطنيا واقليميا، ودوليا.
اذا تجاوزنا البعد الإقتصادي، فإن قراءة التوجه النووي المغربي الى روسيا، يكشف عن جدية تنويع الشركاء الدوليين، بما لا تصبح معه فرنسا المحتكر الوحيد للقرار الاقتصادي والسياسي للمغاربة. الابتعاد عن سياسة التخندق ضمن محاور إقليمية ودولية، من النقط الإيجابية التي باتت تجعل المغرب يبحث عن مصالحه بيسر، اي بما لا يضعه في قلب مختلف النزاعات الناشئة، باستمرار، في عالم اليوم.
من هنا، فإن المصادقة على الاتفاقية، التي كانت موضوعة على الرف منذ 2018، وفي ظل الأزمة الروسية- الأوكرانية المتصاعدة، حاليا، تغطي عدة أبعاد جيوبوليتيكية:
– أولا: خلق قدر من التوازن بالمنطقة المغاربية، في اطار العلاقة بين المغرب والجزائر تحديدا. وفي ذلك، يمكن قراءة رسالة الروس إلى الجيران، والتي يريدون من خلالها التعبير عن عدم رغبتهم في استئثار الجزائر بالعلاقة، في جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، على حساب المغرب. فسياسة المحاور التي ظل يسعى جنرالات المرادية الى الزيادة في توطيدها، من اجل محاصرة المغرب دوليا، ووضعه خارج اطار ما كان يسمى المعسكر الشرقي، تتلقى الجواب بالرفض القاطع، عبر المصادقة على الاتفاقية النووية. ان التفاهم الديبلوماسي الروسي- المغربي، داخل أروقة الامم المتحدة ومجلس الامن، سواء أتعلق بقضايا تهم هذا الطرف ام ذاك، لخير دليل على طبيعة المصالح الإيجابية المشتركة بين البلدين. ومما لاشك فيه، فان هناك احباطا جزائريا، من جهتين: التعاون الروسي-المغربي، على الصعيد النووي، من جهة، والسبق المغربي إلى اعتزام استثمار الطاقة النووية في المجال المدني من جهة اخرى؛
-ثانيا: توسيع الروس لفضاءات تحركهم، بما يشمل رقعة جغرافية استراتيجية في جنوب المتوسط، ماتزال تابعة للنفوذ الأوروبي، والفرنسي بوجه خاص، الى الان. وعلاوة على تعاظم الاختراق الروسي للجغرافيا الإفريقية، في منطقة الساحل وفي غيرها، فإن الدخول عبر البوابة المغربية، يرسل رسائل في غاية الأهمية، منها فك العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على الكريملين، ومنها استثمار العلاقة مع شركاء موثوق بهم، صار لهم نفوذ متنام في غرب إفريقيا وشرقها.
السياسة مصالح كما يقال، بعيدا عن خطابات الحرب الباردة، التي عفا عليها الزمن. ولأنها كذلك، فالسياسة البراغماتية هي الانجع، في عالم متقلب الأحوال، على صعيدي أسواق الطاقة والغذاء، بسبب اندلاع الحروب، وانتشار الجفاف. وبالطبع، فإن براغماتية المغرب، في علاقاته مع جميع شركائه الدوليين، ومن مختلف القارات، استطاعت ان تجنبه، في السنوات الاخيرة، ثلاث أزمات كبرى: وباء كوفيد، شبح الجفاف، الأزمة الروسية- الأوكرانية.