إبان احتجاج المغرب على تونس، غداة استقبال قيس سعيد الرسمي لزعيم جبهة البوليزاريو، بمناسبة انعقاد قمة تيكاد الاخيرة، خرجت بعض الأصوات الجزائرية والتونسية إلى المزايدة على المغاربة، في شأن عدم مقاطعتهم، مثلا، للسلطات الإسبانية المحتلة لمدينتي سبتة ومليلية المغربيتين. الى جانب ذلك، احتجت تلك الأصوات بكون المغرب شارك في لقاءات أفريقية واوروبية، كان بعض قادة الانفصال من بين ضيوفها. بصريح العبارة، لقد كان لهذا النوع من الاحتجاج هدف واحد، وهو اتهام المغرب باستضعاف تونس (الحكرة عليها)، مادامت لقاءات من القبيل نفسه قد سبقت.
ان المطلع على حيثيات استقبال سعيد لابراهيم غالي، والسياق الذي جرى فيه، وما تقدمه من مواقف تونسية سلبية، مثل عدم التصويت الإيجابي على التجديد الاخير لبعثة المينورسو، يكشف بشكل موضوعي رد الفعل المغربي المطلوب، ازاء موقف تونسي سائر نحو الانقلاب، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة.
لنترك المحاججة التونسية جانبا، في ما تعلق بادعاء صوابية استقبال زعيم الجبهة الانفصالية، ولنركز على المحاججة الجزائرية، التي ادعت ان في استرجاع المغرب لاقاليمه الجنوبية، دون الثغرين المحتلين “سبتة” و”مليلية”، تناقضا صارخا في العقيدة التحررية للمملكة.
كلما تقوى الموقف المغربي، بخصوص الوحدة الترابية للبلاد، الا خرجت أصوات جزائرية، تزايد على المغاربة، في شأن “تسليمهم” بالاحتلال الإسباني للمدينتين المغربيتين.
لكن، حين نتفحص هذه المحاججة الجزائرية الباطلة، نستطيع ان نخرج بملاحظة وخلاصة حاسمتين:
– تتمثل الملاحظة في ان المغرب لم يسلم، يوما، على امتداد اكثر من خمسة قرون، بواقع تبعية “سبتة ومليلية” لسلطات مدريد. تأكيد ذلك، يأتي من حقيقة مرابطة الجنود المغاربة، في مناسبات تاريخية عديدة، لتحرير “المدينتين”، من قبيل: حصار السلطان المولى اسماعيل لسبتة مدة ناهزت 30سنة، وحصار السلطان سيدي محمد بن عبد الله لمليلية. وفي الزمن الحديث، لم تنفك الحكومة المغربية عن المطالبة بجلاء الأحتلال الإسباني عن “المدينتين”، مثلما كان الحال مع رئيس الحكومة السابق، الدكتور سعد الدين العثماني، الذي كان تصريحه، بنية المغرب فتح ملف “المدينتين”، سببا في تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين المغرب واسبانيا، بالرباط، في 17ديسمبر 2020، الذي كان من المقرر ان يحضره الرئيس بيدرو سانشيز.
بخلاف سياق استرجاع الأقاليم الجنوبية، ينتظر المغرب ان تنضج الظروف السياسية والجيوبوليتيكية، بين الجارين الشمالي والجنوبي، للمباشرة بفتح ملف المدينتين، في اطار من التفاهم والتعاون، بما يعود على العلاقات الثنائية ومصالح الشعبين، وضمن ذلك سكان سبتة ومليلية، بالرفاه والتقدم. ولمن يطعن في “تلكؤ” المغرب في المسارعة إلى تحرير الثغرين السليبين،
نريد ان نذكر بان المغرب ليس الوحيد، بالنسبة للبلدان التي لها أراض محتلة من قبل دول الغير. الامر لا يبدأ مع الصين الشعبية، التي كانت لها مطالبات بهونغ كونغ وتايوان، ولا ينتهي مع اسبانيا نفسها، التي لم تفتأ تطالب باستعادة جبل طارق من التاج البريطاني. بدل الحرب، وما تفترضه من كلف بشرية ومادية، أولوية العالم المتحضر تتجه، اليوم، الى معالجة إشكالية الحدود بالديبولوماسية النشيطة، والتعاون الوثيق، وتبادل المصالح النافع،
– اما الخلاصة، فتتمثل في اصطفاف العسكر الجزائري مع المحتل الإسباني، في ما يتعلق بالسيادة على سبتتة ومليلية. وبخلاف جميع الدول العربية والافريقية والاسلامية، تابعنا كيف انحازت جزائر الجنرالات الى الموقف الإسباني، غداة اشتعال أزمة “جزيرة ليلى”، سنة 2002. وفي تناقض مع حقائق التاريخ، وضدا في أواصر الدم والعروبة والدين والمصالح المشتركة، خرجت الخارجية الجزائرية بهذا الموقف الغريب، والربط العجيب، بتصريحها “ان احتلال المغرب للجزيرة يعتبر اكبر دليل على اطماعه التوسعية في الصحراء”.
اما مناورة النظام، لدى”الشقيقة” الجزائر، في سعيه ألى ربط ميناء “الغزوات” بمليلية، على امل تخفيف وطأة الحصار التجاري المغربي على المدينة المحتلة، لخير دليل على العدوان الجزائري السافر، الذي تركز الحديث عنه على الصحراء المغربية، دون سبتة ومليلية، الى حد اليوم. والمثير ان هذا العدوان- التدخل، اتخذ له عدة أذرع: سياسية، اقتصادية، دينية وديمغرافية.
من كل ما سبق، نستنتج ان الموقف الجزائري المتناقض، من قضية تحرير سبتة ومليلية، ما هو الا مزايدة سياسوية رخيصة، مادام الهدف منها شغل المغرب عن اقاليمه الجنوبية، ودفعه الى فتح اكثر من جبهة، بما لا يستسيغه منطق سياسي سليم. وإذ لا يختلف الموقف المغربي من تحرير اقاليمه الجنوبية، سواء بسواء مع موقفه من تحرير المدينتين السليبتين، فإن لكل عملية، على حدة، اجندا وسياقا ودفتر تحملات.