في الآونة الأخيرة وربما منذ مدة. وحينما استعمل ربما، فإنها ليست مدعومة بالشك. بل تحمل بعض الأثر من ماض قريب و بعيد. الحدث هو الغضب الذي يشتعل في قلوب الكتاب والفنانين والمسرحيين ووو. بدون أن نخرج عن نطاق الثقافة. أصبح الأمر يقتضي نوعا من الوقوف للتأمل في هذه الظاهرة، والتي تستدعي منا بعض الهدوء في مناقشتها على اعتبار أن الموضوعية لن تحضر بكل حجمها في هذا النقاش.
أول مفهوم يمكن أن نضعه نصب أعيننا لمناقشة المسألة وهو مسألة الاستحقاق. من يستحق أن يمثل مثلا الكتاب في المشهد الثقافي الخاص للكتابة بشكل أوسع. يأتي المعرض الدولي للرباط، ولو أني لا أستسيغ هذا الإسم الذي ينتمي للنسق التجاري أكثر من انتمائه للشرط الثقافي بامتياز. لن نتوقف عند المسميات ولو أنها أحيانا تختزل معظلة حقيقية. المهم أن عودة هذا العرس الثقافي والذي ينتظره كل محبي الكتب، عادت معه نفس الأسئلة حول مسألة التمثيلية والتي حاولت عدم استعمالها وفضلت كلمة الاستحقاق.
هناك رسائل أرسلت لوزير الثقافة وكتابات هنا وهناك على منصات التواصل الإجتماعي، تتساءل حول ظاهرة عودة نفس الوجوه إلى المشهد الثقافي وحضور وجوه أخرى جديدة لا تستحق وضعها في الصفوف الأمامية لمسرح الكتابة. لما هؤلاء يقدمون ويجزل العطاء لهم. بينما هناك العديد من الكتاب والذين يقيمون الأرض ولا يقعدونها عبر كتابة تستحق أن تكون حاضرة. بعيدا عن كل المزايدات ونحن نعرف كما يقول المثل الدارجي ” حنا لي عارفين خروب بلادنا”.
هناك محاولة لتفسير المسألة. إما أن نسلم بأن دار لقمان مازالت على حالها، وهؤلاء الذين يملكون زمام الأمور مازالوا مستمرين في دفع المستظلين بظلهم، أو أنه قبل أن يتركوا الجمل بما حمل، سلموا المفاتيح لجيل تشرب من تجربتهم معنى الاستمرارية في النهج نفسه. أما التفسير الآخر وهو أقرب إلى ماهو مرتبط بمسلك التعاملات. والكثير ممن لا باع لهم في الثقافة، لكن القدرما جعلهم يتصورون حياتهم مرهونة بهذا المصير، هذه الطينة من البشر لها كفايتها من التسلق عبر الحيطان والتزلف والتمسح بكل ماله وصاية على الثقافة. يجتهدون أكثر في البحث عن الفرص، مع اقترافهم لبعض الإشارات الباهثة من أعمال يتم تسويقها وتضخيم حجمها ووضعها دوما في الواجهة. بينما هناك ذلك الكاتب الذي أثقل كاهله بالعمل الجدي وامتلأ بأنفة الذين من كثرة احترامهم للعمل، لا يتكلمون إلا لماما. يظلون في الظل بينما يشغل مكانه هؤلاء الذي لسعت نار الكتابة طرفا من لباسهم فأضحوا يتراقصون على نارها، فلم نعد نرى سوى أجساهم، بينما توارى هؤلاء الذين اكتووا بنارها.
لابد من الإشارة إلى أنه يجب أن نحترس من أحكام القيمة التي يمكن أن نوجهها للذين نراهم حاضرين دوما في المشهد الثقافي. هناك من له قيمة تذكر ومكانة لا يمكن لأحد أن ينزعها منه.
هناك مسألة كبرى وهي التي طعنت ظهر الثقافة في تمظهراتها المتعددة وهو المال. واستعمالي لهذه الكلمة عارية وفجة، لأنها السبب الوجيه في كل هذه المعارك التي تدور رحاها في قلب مشهدنا الثقافي. لم يعد انتظار الكاتب مرهونا بالعمل كشيء مقدس أو كمسؤولية يحملها على عاتقه. بل أصبحت مهنة تنتظر تعويضا ماليا ومكانة في مؤسسة هذا المجتمع. نعم الآن أصبحت الثقافة صناعة وتم تفريغها من محتواها الأول وهو إسعاد الإنسان وجعله يحتفل بذلك البعد الآخر فيه وهو لذة الحياة. الإحتفال تحول إلى صراع لتسويق المنتوج والنفخ في الرأسمال.
هذه فقط مجرد أفكار من أجل بعث كلام آخر على شرف حرب لم نكن نظن أنها ستشتعل في آخر قلعة كانت تحمي الإنسان. ربما هي صرخة في واد مهجور.