ليس بالضرورة أن تكون بائعة الورد جميلة وعمياء كما قدمت في إحدى أفلام شارلي شابلان.
بائعة الورد هنا إمرأة ذابلة وتحمل كل مآسي العالم في قلبها. الشيء الوحيد والجميل هو تلك الوردة التي تقدمها لك مقابل أن تمنحها بعض النقود.
إنها لا تبتسم. وجهها صحراء نسيت لمسة المطر منذ آلاف السنين. وغادرها ذلك اللمعان الذي يشرق من عينين تحبان الحياة. تقف أمامك بدون زهو لأن الطفولة لم تعد سوى ذكرى، لذا توقفت عن النظر في أعين الآخرين. لا يهم أن يروا في موقفها هذا انكسارا، أوتدحرجا رهيبا في ذلك المهوى السحيق والذي يسمونه الفقر. تنظر مثلك إلى وردتها كما لو كانت تقول لك : خدها وامنحها لحبيبتك فأنا لا أستحقها.
مشهد صامت أشبه بالافلام الرومانسية الساذجة باللون الأبيض والأسود. لكن في هاته اللحظة بالذات لا مكان للرومانسية. أبواق السيارات وضجيج المارين من هذا المكان والعيون المتلصصة على المشهد وهؤلاء الطفيليون الذين ينتظرون ما سينتهي إليه هذا اللقاء بين بائعة الورد وهذا الرجل الأنيق في هندامه. كل هذه الأشياء تبعثر أفكار الرجل والذي بوجل واضح يحاول التخلص من هذه الورطة، لأنها نوع من المقايضة والتي تلعب على الوتر الحساس.
أي عالم نحن فيه لكي يجز بوردة كلحظة اسثتنائية نوقف بها كل صلابة العالم ليتحول هذا الرجل الميكانيكي إلى فوهة بركان من الأحاسيس الجميلة. هل سيتمكن من التخلص من امرأة تحمل له وردة ؟.
بائعة الورد سراب وحلم يمشي على رجليه رغم البؤس والحاجة. نوع من النداء الغريب والذي يرسم ملامحه كرؤيا جميلة في قلب الجحيم. من الذي علم هاته المرأة التي لم تختبر سوى قساوة الأيام ولم تقرأ الرويات الوردية، أن تلتحم مع الوردة وتطلب ودها. وان تجعل منها أجمل مصيدة للرجال. لأن أغلبهم يخاف في تلك اللحظة والتي تكون امتحانا رهيبا لحساسيته على مرأى ومسمع الناس في الشارع العام. كيف يرفض دعوة رومانسية. يمد يده داخل جيبه ليتخلص من هذا المشهد ويتنفس الصعداء. يأخد الوردة بحرج كبير. يود لو يدسها في مكان ما. يمضي وهو لا يتذكر وجه بائعة الورد.
يبقى وحده عطر الوردة. يتأملها بهدوء غريب وهو يتذكر اليد الممدودة نحوه والتي جعلته يتذكر أن هناك في الجهة الأخرى إمرأة. عرف آنذاك أن المرأة الوحيدة والتي يمكن أن توقف رجلا في الشارع هي بائعة الورد.