حرب اوكرانيا عرت وجه الإنسانية وكشفت عالم بلا خرائط ومدعوم بالنوايا التي لا تعترف إلا بالدمار كقوة لفرض واقع يستجيب لأغراض جيوستراتيجة ومصالح اقتصادية. بوتين يلبس تاج القيصر، ليس ليعيد أمجاد روسيا العظيمة بل ليؤكد للعالم أنه الرجل الأول في العالم. لقد هدد مرارا، وأكد أن نواياه يمكن لها أن تتحقق حينما أمكنه الاعتراف بدونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين والمواليتين لروسيا بشرق اوكرانيا، ودعمهما عبر اتفاقيات تعاون. كل المبررات التي قدمتها روسيا في اسم رئيسها تنبي على أن أوكرانيا تزحف شيئا فيها إلى المعسكر الغربي. وهذا ليس في صالح روسيا التي تعرف جيدا أن ليس من صالحها أن تبقى اوكرانيا سيدة نفسها. لما سيشكل انتماؤها القادم للحلف الأطلسي وإمكانية انضمامها إلى منظومة أوربا.
الحرب اشتعلت الآن وروسيا مصممة أن تصل إلى أهدافها بكل الطرق. لقد تأكد لها أن الوضع الحالي للعالم في صالحها وقد تبين ذلك إبان التصويت على قرار العقوبات والذي لم تدعمه الصين والهند ودول أخرى مع انسحاب البعض، وهذا مؤشر كبير عن التحول الذي عرفه النظام العالمي الجديد الذي ينبني الآن على تعدد القوات الحاكمة للعالم (اقتصادية أو عسكرية). فقد انسحب إلى نهاية مفهوم المعسكر الشرقي والغربي. لم يعد العالم منقسما إلى قطبين. رغم أن الحنين لهذا العهد مازال يرمي بشباكه على رؤوس مايريدون قيادة العالم الآن.
لقد استيقظت أوربا مذهولة لأنها لم تكن تدرك حجم هذا التدخل الرهيب لآلة الحرب الروسية، هاهي الجيوش الروسية تتربص بالمداخل الشمالية لكييف. القلب النابض لأوكرانيا. وهاهو الدمار يحيل العديد من المناطق إلى ساحات من البؤس و القسوة في ظل فصل شتائي بارد. هاهو الشعب الأوكراني يترك لنسائه وأطفاله الحق في الهروب من هذا الجحيم المهول. لتخلف الحرب مشاهد لتلك الطوابير المأساوية لوجوه حزينة تركت وراءها كل شيء خوفا من الموت والتحقت بمجهول لا تعرف له أي نهاية. وقفت اوربا لتندد وتستقبل هؤلاء المهاجرين والذين تم تصنيفهم من بعض القيمين على الشأن السياسي ببعض الدول الأوروبية “بالجودة “. وهذا يحيلنا إلى التباس المفهوم الإنساني في معالجة وضع كهذا في غياب تام لمفهوم المآزرة في الأزمات بغض النظر عن أي بلد او جنس.
المهم ان أروبا آزرت كذلك بالسلاح دون نية الدخول في حرب مباشرة مع روسيا. كما أن بعض الدول ومن بينها ألمانيا رفعت سقف ميزانية العتاد الحربي. هذا كله من شأنه أن يعمم الخوف من الدخول في حرب عالمية. خاصة وان بوتين لم يتوانى عن الإعلان عن حرب نووية. هذه الأخيرة لن تكون كما نتصورها حربا شاملة ستمحي وجودنا من على هذه الأرض، ولكن هناك أسلحة نووية بإمكانها تسريع وثيرة الدمار على مستوى المناطق التي وجب احتلالها.
إن حرب أوكرانيا التي تأتي بعد جائحة كورونا ستأتي على الأخضر واليابس. فكل المؤشرات تدل على ارتفاع أسعار كل المواد الاستهلاكية وتدهور الوضع الاقتصادي العالمي.
العالم أصبح قرية صغيرة والكل سيتضرر. لكن هؤلاء الأطفال الذين أخذتهم الحرب على غرة، وهؤلاء الناس البسطاء الذين لا شأن لهم بما يسطره هؤلاء السياسيين ونزاعاتهم الأفقية، هم الذين يدفعون ثمن الدمار الذي لحق ببيوتهم والذين نزعت الطمأنينة من قلوبهم. سيدفنون موتاهم ولا وقت للعزاء لأن الحرب لا وقت لها للانتظار ستطوح بآمالهم في انتظار أن تصمت المدافع.