سيظل سؤال المتنبي في هذا البيت الشعري مشروع سؤالي أبدي ومنطقة شاسعة لإحتضان أسئلة مقلقة، وها نحن سنطل بعد أيام معدودة من نافذة هذا الحلم الذي يذغدع أحاسيسنا ليوم واحد. سنوزع الورود على النساء في الشارع، سنرسم على وجوهنا ابتسامة شاسعة ونمد أيدينا كي نقول للمرأة : مرحبا بك على هذه الأرض، فبدونك سيكون العالم موحشا. ستقام الندوات وتنظم الاحتفالات على شرف المرأة، كي يتذكر هذا المجتمع الكبير أن كائنا يتواجد بيننا وعلينا أن نلمع صورته كما نلمع الأواني حينما نخرجها من الدولاب، ونعيدها بعد ذلك إلى مكانها المعهود، حيث الظل والنسيان.
هل تستحق المرأة كل هذا العناء كي نقيم لها يوما للعيد والاحتفال بها كشيء استثنائي يستحق هذا الطقس السنوي. نفعل هذا وننسى أننا نقيم لها كل يوم ما يجعل سنتها مأتما حقيقيا.
هذا العيد يأتي ليذكرنا أننا بعيدون بسنوات ضوئية عن تلك العدالة الحقيقية والتي ستقنعنا إلى حد ما أننا وصلنا إلى مرتبة احترام انسانيتنا. لأن مايحدث الآن لا يبشر بالخير مادامت تأتينا الأخبار والصور بمآسي رهيبة لنساء جردن من آدميتهن وشربن من كأس العنف اليومي إلى درجة لم يعد يعرفن لهن اسم.
ونساء قتلن لأن القتل أصبح على باب الأنثى أشبه بزائر يومي. أين هي الإحصائيات كي تقول لنا العدد الرهيب لطابور الموت الذي رسم وجهه الكريه ذلك الرجل الذي يرفض في تعنت وكبرياء جامح الجانب الانثوي فيه والذي حوله إلى منطقة ظلام وحرب عشواء ضد هذا الكائن الهش.
عن أي عيد نحتفل به بحضور المرأة والشارع تحول إلى مكان للمبارزة وطرد مستمر لطيف المرأة ومرورها عبر هذا الشارع الذي أصبح بامتياز مكانا رجوليا.
أتذكر المخرجة الراحلة دليلة النادر في فيلمها “سأحكي لكم” وهو عنوان هائل ويحمل الأثر بامتياز لأنه يشير إلى تجربة الحكي لدرء الموت في تجربة شهرزاد الهائلة في “ألف ليلة وليلة”. في هذا الفيلم الوثائقي تذهب إلى مايسمى المغرب العميق بعدما تم تغيير مدونة الأسرة من أجل إنصاف المرأة بالمغرب. هناك ستنسج صور نساء لايعرفن الهناءة ولا يعرفن أن مصيرهن يمكنه أن يتغير. تشرق شمس وتغرب في أرض المغرب الأقصى على آلام نساء يبتسمن رغم شراسة الأيام. تنهي دليلة النادر فيلمها ويصعد صوت غناء نساء يعملن في ظروف قاسية في معامل تعليب سمك السردين بآسفي…أغنية مدلهمة بفرح تم قتله في المهد، لكن يبقى الصوت مسموعا كنداء وكحكاية تقاوم الموت.
عيد بأية حال عدت ياعيد.