سؤال محرج وكثيرا ما يثار في النقاشات الجماعية والثنائية، دون أن نجد إجابة مقنعة لهذه المحنة الوجودية، خاصة وأن الكثير ممن تجشموا هذه الطريق يتعثرون في الوصول الى تفسير هذا السؤال الذي يمكن أن نعتبره انطباعا ذاتيا. لماذا وصلنا الى طرح هذا السؤال بطريقة فجة قد تثير المتلقي وتستنفر حواسه الواعية واللاواعية من أجل الادلاء بإجابة. لكن ما يهمنا هنا ليس تثبيت هذا السؤال كمعطى حقيقي يستدعي منا بدل أقصى جهد تحليلي يستلهم أدواته التفسيرية من العلوم الإنسانية. لأن السؤال في حد ذاته هو فخ شرس ينحو بنا الى الإقامة في قلب هذا السؤال، في حين يمكن أن نجد له صيغة أخرى وهي لماذا المغاربة يكرهون بعضهم؟
ينقلنا هذا السؤال من غياب الحب الى حضور الكراهية. مما يفتح لنا أفقا مغايرا لمقاربة هاذين القطبين من زاوية بسيطة وهي أننا مجبرين على الأخذ بعين الاعتبار هذه الثنائية والتي تشكل عضد الحياة التي نعيشها.
من يتوقف أمام سؤال لماذا المغاربة لا يحبون بعضهم؟ سيعتبرها وضعا حقيقيا وثابثا، مع العلم الانسان ليس جماد. ولو أن مسالة الجماد لا يمكن أخذها كحالة مطلقة لأن بالحجر نبني البيوت التي هي في تحول مستمر.
اذن الجزم بأن المغاربة لا يحبون بعضهم لا أساس لها من الصحة، لأن الحب مقام كبير، ومن الصعب أن نتخيل شعبا بأكمله يعيش المحبة المطلقة. كيف يمكن لشعب أن يمحي كل الأحاسيس الأخرى كالخوف والحسد والقلق. أليس الانسان متقلبا ومنفعلا وهادئا أحيانا. أليست الحياة صراعا للبقاء رغم أن الموت هو المنتهى. ماذا يعني أن نحب دون الإحساس بان المحبة تسلبك نفسك لتكون الاخر ونقيضه في الان نفسه.
المغاربة يحبون ويكرهون بعضهم. ينامون تحت سقف واحد لوطن يسمى المغرب والذي كان يعتبر قديما المغرب الأقصى. ينتمي هؤلاء المغربة لفصيلة الانسان والذي عرف في تاريخه كل المعارك والصراعات وانفتحت أمامه بوابات جحيم رهيبة، صارع منذ الاف السنين هذا الخوف الذي استوطن أعماقه وجعله لا يطمئن لأي شيء الا بعد حين. تنتابه الهواجس ويبحث في ظل كل هاته النوازع البشرية عن مكان ومهجع يأويه أشبه بالطمأنينة.
يبدو أن أسئلة مثل هاته تعيدنا الى ذواتنا وتمكننا من التقاط بعض الحالات التي تبرهن على تقلبات الانسان وأن الأحاسيس هي رهينة تجربة إنسانية، وما نعيشه اليوم في هذا الالتفاف الجميل حول الطفل ريان الذي أصبح بين لحظة وأخرى طفل لكل المغاربة.
ها هي حالة حب قصوى وغدا قد نختلف ونشعل نيران القسوة في أراضينا وقد نلتف حولها في ليلة باردة كي ندرأ عنا برد الليالي القاسية.