أخبارسياسة

الموقف الباكستاني من القرار 2797 في ضوء العلاقات المغربية-الباكستانية: حياد دبلوماسي تحكمه روابط الدين والمصالح

بقلم: محمد خوخشاني

بقلم: محمد خوخشاني

أثار الموقف الباكستاني من القرار رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والمتعلق بتجديد ولاية بعثة المينورسو وتأكيد الدعم للمسار السياسي القائم على مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، اهتمام المراقبين الدوليين لما يحمله من رسائل توازن دبلوماسي تعكس خصوصية العلاقات بين الرباط وإسلام آباد.

فباكستان، وإن لم تكن من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ولا تملك حق النقض (الفيتو)، فإن اختيارها الامتناع أو الحياد في هذا الملف يجسد موقفًا محسوبًا يجمع بين احترام مبدأ الوحدة الترابية للدول الإسلامية وحرصها على عدم الدخول في صراعات إقليمية.

روابط دينية وحضارية متجذرة.

تجمع بين المغرب وباكستان وشائج دينية وثقافية عميقة تمتد إلى قرون من التواصل الحضاري بين الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي. كلا البلدين يمثل نموذجًا لدولة إسلامية معتدلة تدعو إلى الحوار والتعايش، وتلتقي مواقفهما في الدفاع عن القضايا العادلة للأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هذه الخلفية الروحية أسست عبر الزمن لتفاهم سياسي غير معلن، جعل من باكستان حليفًا طبيعيًا للمغرب في المحافل الإسلامية.

علاقات سياسية ثابتة رغم غياب الزيارات الملكية

صحيح أن جلالة الملك محمد السادس لم يقم بزيارة رسمية إلى باكستان، إلا أن العلاقات السياسية بين البلدين ظلت ثابتة ومتوازنة. فمنذ الستينيات، ظلت إسلام آباد والرباط تتعاونان داخل منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وتتبادلان الدعم في قضايا السيادة والوحدة الترابية. وللتاريخ، كان المغرب من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال باكستان سنة 1947، وهو ما جعل العلاقات بينهما ترتكز منذ البداية على الاحترام المتبادل والتضامن الإسلامي.

تعاون اقتصادي متواضع لكنه واعد

رغم أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين لا يزال محدودًا، فإن التعاون الاقتصادي يشمل قطاعات متنوعة: الصناعات الغذائية والنسيجية، الفوسفاط والأسمدة،

الصناعات الدوائية والكيماوية.

كما عُقدت منذ سنة 2006 اجتماعات للجنة المغربية-الباكستانية المشتركة بهدف تطوير المبادلات التجارية وتعزيز الاستثمارات المتبادلة. ويُنظر إلى المغرب في باكستان كـ بوابة استراتيجية نحو إفريقيا، بينما ترى الرباط في إسلام آباد شريكًا صاعدًا داخل العالم الإسلامي يتمتع بقدرات صناعية ودفاعية معتبرة.

حياد باكستان: دبلوماسية التوازن.

إن امتناع باكستان عن التصويت على القرار 2797 لا يُفهم على أنه معارضة للموقف المغربي، بل هو تعبير عن توازن محسوب بين علاقاتها بالرباط وحرصها على تجنب أي توتر مع الجزائر. غير أن ملاحظًا متأنّيًا للمواقف الباكستانية يدرك أن إسلام آباد لم تُبدِ يومًا اعتراضًا على مقترح الحكم الذاتي المغربي، بل تعتبره خيارًا واقعيًا ينسجم مع مبادئ السيادة ووحدة الدول الإسلامية. لذلك يمكن القول إن حياد باكستان هو حياد إيجابي أقرب إلى التعاطف الهادئ مع المقاربة المغربية.

جذور تاريخية وروابط تحررية.

تعود بدايات تمتين العلاقات بين البلدين إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حيث التقت رؤى الزعيمين الملك محمد الخامس ومحمد علي جناح حول قضايا التحرر الوطني وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وفي مؤتمر باندونغ عام 1955، كان المغرب وباكستان من بين الدول التي أرست أسس التضامن الآسيوي-الإفريقي الداعي إلى التعاون بين دول الجنوب المستقلة حديثًا. ومنذ ذلك الحين، ظل التنسيق بين البلدين قائمًا في المحافل الدولية رغم تباعد الجغرافيا واختلاف السياقات الإقليمية.

خلاصة

يُظهر الموقف الباكستاني من القرار 2797 أن الدبلوماسية الهادئة قد تكون أبلغ من المواقف الصاخبة. فإسلام آباد لا ترغب في الاصطفاف، لكنها لا تخفي تقديرها للمغرب كبلد مستقر ووازن في محيطه العربي والإفريقي.
وبين روابط الدين والتاريخ ومصالح الاقتصاد، يستمر التقارب المغربي-الباكستاني كجسر من الاحترام والتفاهم يعلو فوق الخلافات الإقليمية ويؤكد أن التوازن هو جوهر الحكمة في السياسة الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci