
بقلم: عزيز داودة

شهد المغرب مؤخرًا موجة حرّ استثنائية، كما هو الحال في جميع دول المنطقة، بما فيها تلك الواقعة شمالًا. ومع تجاوز درجات الحرارة 45 درجة مئوية في عدة مناطق، أعرب مستخدمو القطارات عن غضبهم الشديد من تعطل أنظمة تكييف الهواء على متن العديد من قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF)، وخاصةً على الخطوط التقليدية التي تربط المدن الرئيسية في المملكة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تكاثرت شهادات الاستياء، واصفةً عربات القطار بأنها “أفران متنقلة”. بالنسبة للكثيرين، أصبحت بعض الرحلات، وخاصةً خط الدار البيضاء ـ الرباط المزدحم، لا تُطاق. أعرب العديد من الركاب عن غضبهم، بل وصفوا هذا الوضع بأنه قلة احترام واضحة للركاب.
يؤثر هذا العطل بشكل رئيسي على القطارات التقليدية، التي غالبًا ما يزيد عمرها عن عشرين عامًا، والتي أصبحت أنظمة تكييف الهواء فيها قديمة ومعطلة في كثير من الأحيان. في المقابل، يتمتع خط البراق فائق السرعة، الذي يربط الدار البيضاء بطنجة، بتجهيزات أفضل للتعامل مع هذه الظروف القاسية، مما يُظهر تناقضًا صارخًا بين الحداثة والتهالك.
سجلت المديرية الوطنية للأرصاد الجوية درجات حرارة قياسية: 47.3 درجة مئوية في مراكش، و46 درجة مئوية في فاس، و45.5 درجة مئوية في القنيطرة. في ظل هذه الظروف، تتجاوز درجة الحرارة في قطار غير مكيف بكثير الحدّ المُحتمل، مما يُعرّض راحة الركاب للخطر، لا بل وصحتهم أيضًا، وخاصةً الفئات الأكثر ضعفًا، مثل كبار السن والأطفال.
وفي هذا السياق، غالبا ما يكون المتحكمون العاجزون هم الذين يعانون من غضب واحتجاجت المسافرين المحبطين.
من المهم تذكر أن معايير النقل بالسكك الحديدية الدولية تشترط أنظمة تكييف هواء فعالة، خاصةً خلال فترات الحر الشديد. في العديد من الدول، قد يؤدي انقطاع التكييف لفترات طويلة إلى تعويض الركاب ماليًا.
للأسف، هذا ليس الحال بعد في المغرب، حيث لا ينص أي قانون على التعويض، مما يُمثل انحرافًا: فالمواطن لا يحصل على خدمة تتناسب مع نفقاته، بينما من المفترض أن يحميه القانون، لا سيما في ظل الاحتكار. وهذا هو الحال.
في مواجهة انتقادات واسعة، أقرّ المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) بالصعوبات الفنية المرتبطة بالقطارات القديمة، وأعلن عن عمليات صيانة. إلا أن هذه التوضيحات لم تُقنع المستخدمين، الذين استنكروا نقص الاستثمار الهيكلي في تجديد أسطول السكك الحديدية، رغم الزيادات المنتظمة في أسعار التذاكر.
يُطرح السؤال أيضًا: هل تكمن المشكلة فقط في تقادم المعدات، أم أنها أيضًا في نقص مهارة فرق الصيانة، أو حتى في شكل من أشكال الإهمال؟ في أماكن أخرى، لا تزال القطارات القديمة توفر أحيانًا تهوية وتكييفًا جيدين.
في عام 2025، لم يعد السفر بدون مكيف هواء مقبولًا في بلد أصبحت فيه موجات الحر أمرًا طبيعيًا. يجب وضع خطة طوارئ، خاصةً وأن الصيف قد بدأ للتو، مع اقتراب العطلات والرحلات الطويلة.
يُعلن المكتب الوطني للسكك الحديدية بانتظام عن عمليات الاستحواذ المُستقبلية على قطارات حديثة، ولكن هل سيبدأ تشغيل أي منها هذا الصيف؟ على أي حال، يجب صيانة عربات القطارات الحالية بشكل أفضل لتحسين راحة الركاب. إنه حق أساسي.
إلى جانب الانزعاج الواضح، يثير هذا الوضع إشكالية أعمق تتعلق باحترام المستخدمين وجودة الخدمة العامة. ففي ظل تشجيع الحكومة على استخدام وسائل النقل العام للحد من انبعاثات الكربون، يُفترض أن يكون القطار بديلاً موثوقًا وجذابًا.
ومع ذلك، فإن الإخفاقات المتكررة تقوض مصداقية المكتب الوطني للسكك الحديدية، مما يخلق فجوة بين خط البراق، واجهة المغرب التكنولوجية، والخطوط التقليدية، التي يُنظر إليها على أنها قديمة وغير مريحة على الرغم من الجهود الواضحة في مجال راحة المقاعد وتنظيم المحطة، وخاصة الأحدث منها.
في مواجهة هذه الأزمة، من الضروري أن يُراجع المكتب الوطني للسكك الحديدية استراتيجيته. فبينما خُصصت استثمارات كبيرة لسكك الحديد فائقة السرعة، من الضروري إيلاء اهتمام مماثل للخطوط التقليدية التي تخدم آلاف المغاربة يوميًا.
خلال موجات الحر، لا يعد عدم وجود تكييف الهواء في القطارات مجرد إهمال، بل يشكل قضية حاسمة للصحة العامة وكرامة الركاب.
ويجب اعتماد خطة عمل واضحة، تتضمن جدولاً زمنياً دقيقاً لتجديد القطارات، وصيانة أفضل للأنظمة الحالية، فضلاً عن مراجعة حقوق الركاب في حالة الفشل، دون تأخير، ويجب الإعلان عنها.
الجميع يعلم أن المكتب الوطني للسكك الحديدية يهدف إلى تحويل خدماته بحلول عام 2030، ولكن بحلول ذلك الوقت، سيكون ملايين المغاربة هم من يستخدمون القطار وسيكون لهم الحق في الكرامة والاحترام.


