
بقلم: سعيد بوعيطة

لا تدلي بدلوك في بئر جافة
ليس من عاداتي أن أدلي بدلوي في بئر جافة (كما يقول المثل العربي). لأن المشاركة في بعض القضايا أو إبداء الرأي فيها، لا فائدة منها. لأن ذلك لا يخرج عن كونها مضيعة للوقت. لا نتيجة إيجابية منها. ليصبح إبداء الرأي فيها، كمن يرمي بدلوه في بئر لا ماء فيها. وإذا كانت المناسبة شرط كما يقول الفقهاء، فإن مناسبة هذا الرأي، له ما يبرره في تلك الغوغائية التي صاحبت مهرجان موازين الأخير. خاصة ما تعلق بمغني الراب الذي لا علاقة لنا به عن قرب أو عن بعد (هنا أتحدث عن نفسي على الأقل).
غوغائية المهرجانات
لا ندري لماذا يتم السقوط في تلك المعارك الفارغة والخاوية من كل معنى ومغزى، كما يصرّ الكثير من الناس اليوم (خاصة في الفضاء الأزرق وبعض المواقع) من خلال النفخ في موضوع غير ذي قيمة(إنه بمثابة النفخ في الرماد). لا يعدو أن يكون مجرّد سهرة فنية من بين سهرات مهرجان موازين(سهرة الرابور طوطو). والواقع أن المغرب عرف (ولا يزال) العشرات من أمثال هذه المهرجانات. ومن أمثال هذا الرابور، ولم يكن الأمر يشغل المغاربة كما شغلهم هذه الأيام. كما أن ما يزيد من سلبية هذه الحكاية، اعتبار البعض هذه الغوغائية، بمثابة صراع بين الحداثة والتقليد (التقاليد)، كما يتوهّم الكثيرون. بينما المعركة الحقيقية التي يجب أن يراهن عليها المواطن، تكمن في عوالم أخرى( الاقتصاد والسياسة والحياة الإجتماعية …الخ). أما في مجال ”الشطيح والرديج ، فكل يغني غناه وكل يشطح كما يحلو له. فبينما تُشعل هذه الغوغائية معارك رمزية وهوياتية فارغة ومزيفة، وتجعل”من الحبة قبة كما يقول المثل، يتم إغفال ذلك النقاش الحقيقي المتعلق بمختلف التحولات العميقة التي تمس الوطن والمواطن المغربي على جميع المستويات (السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية …الخ).
لذلك، فإن النقاش الحقيقي لا ينبغي أن يكون حول هذا المغني/المغنية، أو نجاح هذا المهرجان أو ذاك، أو هذا الرابور أو ذاك، بل حول كيفية بناء مواطن مغربي سليم. يجمع بين قوة الروابط الاجتماعية التي تضمنها تقاليد المجتمع، وفعالية المؤسسات العصرية، دون أن يقيم تراتبية إقصائية جديدة، سواء على مستوى المواطنين أو المؤسسات. لتصبح الحداثة التي تستحق النقاش، لا تنحصر فيما يتوهم البعض، ولا في النجاح في تنظيم سهرة لفنان مهما كان شكله أو صوته، أو خلفياته. أو تقديم إنجاز سياسي من جانب معين. يرى أنه حقق من خلاله انتصارا على خصمه الرجعي في نظره. بل الانتقال الحداثي، يعني قبل كل شيء، بناء علاقة عقلانية مع الذات والمجتمع والمؤسسات. لأن الاختلال الحقيقي لا يكمن في تقليدية هذا الطرف أو عصرية ذاك، بل في غياب التكامل، وفي هشاشة القواعد البانية للمواطن المتحضر (بالمعنى الحداثي)، وفي عدم استقلالية مؤسسات الدولة، وفيما يخول لها القيام بدورها التوجيهي والتحكيمي بشكل سليم. لهذا، فإن أسئلة الحداثة المجتمعية الفعلية، لا تدور حول من يصعد إلى هذه المنصة أو تلك، و لا عن صعود “طوطو” أو غيره إلى منصة المهرجان، أو عدد الذين هتفوا خلفه، أو عدد الذين أغمي عليهم من شدة التأثر به وبطقوسه الغريبة.
ضد الغوغائية، مع النقاش
كان من المنتظر أن يكون النقاش على غرار العديد من قضايا المجتمعات الحديثة، بعيدا عن تلك الغوغائية التي هيمنت في الآونة الأخيرة بخصوص حكاية موازين والراب. لتكون غاية النقاش حماية الأطفال والفئات الهشة، لا سيما حين يتعلق الأمر بمهرجانات تنظمها جهات رسمية، وفي فضاأت مفتوحة للجميع وتقام على القائمين عليها بغسيل الفندق كما يقول المثل الشعبي المغربي. بغض النظر عن المهرجانات الخاصة (المغلقة/ الطبقية). ليصبح الذي ينبغي محاربته (إن صح التعبير)، أو على الأقل رفضه في برامج هذه المهرجانات، هو التحريض على العنف والمخدرات، والدعوة إلى التمييز والعنصرية، وأن يسمع الأطفال كلمات مشحونة بالعنف الجنسي، خاصة إذا تعلق الأمر بفضاء عمومي مفتوح أمام الجميع. إنها مسؤولية ملقاة على عاتق الجهة المسؤولة على تنظيم المهرجانات عامة. أما غوغائية الفضاء الأزرق وكذا المواقع، فلا تقدم ولا تؤخر.


