أخبارفنون و ثقافة

جمعية نون تحتفل بالمرأة المغربية الصحراوية: عرس وطني على أرض المهجر بحضور السيد القنصل صلاح الدين طويس ـ فيديو

بقلم: زكية لعروسي

في لحظة فارقة ومفعمة بالرمزية الوطنية، شهدت جمعية “نون” تنظيم احتفال متميز باليوم العالمي للمرأة المغربية الصحراوية، جمعية تهدف إلى دعم أفراد الجالية وتمكينهم من الاندماج الفعّال في المجتمع الفرنسي، من خلال توفير المساعدة اللازمة والتوجيه في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية. تعمل كذلك على تنظيم أنشطة وأوراش عمل تعزز من التواصل بين الثقافات وتسهم في بناء مجتمع متماسك ومتنوع. كما تحرص على تقديم الدعم القانوني والإداري للأعضاء، ومساعدتهم على فهم حقوقهم وواجباتهم داخل المجتمع الفرنسي، بما يضمن مشاركتهم الكاملة والإيجابية.

 

 

حدث جمعية واد نون حمل بين طياته دفء الانتماء، وعمق الهوية، وبهاء الاحتفاء بالمرأة المناضلة، الصامدة، الرمز.

هذا العرس لم يكن عاديا، بل كان تجسيدا حيا للوحدة الوطنية والتلاحم الصادق بين أبناء الوطن من طنجة إلى الكويرة، في قلب الديار الفرنسية. وكان الحضور المشرّف للسيد القنصل العام للمملكة المغربية صلاح الدين طويس بمثابة رسالة قوية وواضحة: المغرب لا ينسى أبناءه في المهجر، والصحراء المغربية ركن أصيل من الوطن في كل مكان وزمان. الرجل الذي عرفناه بالبساطة، بالوعي، وبروح المسؤولية، لم يتردد في التواجد وسط أفراد الجالية، مشاركا ومصغيا، داعما ومحتفيا، ورافعا راية المغرب في قلب أوروبا.

 

 

السيد القنصل صلاح الدين طويس، رجل تحاورت فيه الحكمة مع الحضور، وتناغم فيه الفكر مع حسّ المسؤولية، فكان أشبه بسيمفونية من الوقار والوعي والتواضع النبيل.

بحضوره المشرق، لم يكن مجرد ممثل لوطن، بل كان مرآة صافية تعكس النبل المغربي في أبهى تجلياته، يقف بثبات الرؤية ورحابة القلب، فتسري في تعامله لياقة تنبع من جوهر راق، لا من واجب رسمي. فقدّم لنا بذلك درسا في أن المسؤولية ليست سلطة بل رعاية، وأن التمثيل الدبلوماسي ليس مهنة فحسب، بل شرف يترجم القيم حين تختبر.

 

 

لقد بدا كأنّه يحمل في صوته نبرة المغرب العتيق، وفي سلوكه روح المغرب الحديث، جامعا بين الجذور والأفق في هيئة واحدة تبعث على الفخر. أمثاله لا يشكرون فقط، بل يُستلهم منهم.

جمعية نون، بجذورها الراسخة في التقاليد الصحراوية وبأجنحتها الممتدة في سماء فرنسا، ليست مجرد جمعية. إنها واحة هوية، وسفيرة ثقافة، ومنبر وحدة. وكم هو مؤلم، كما عبّر رئيسها رشيد باداهي، أن كل هذا الجهد يتم بمبادرات شخصية وموارد ذاتية محدودة. كان هذا الرجل واقفا، فخورا بمغربيته، تحت حاملا سطوع شمس صحرائنا، التي تشهد على كرمها ودفء رجالها. كانت الحال تفيض بالمشاعر، وهو يلتفت حوله إلى أطفال أولئك الصحراويين المغاربة الذين حملوا دفء الصحراء في قلوبهم إلى كل من أركان الوطن ليدفئوا بها ركن باريس. مشهد يختزل حكاية انتماء لا تذروه الرياح، قالها رئيس الجمعية، السيد رشيد باداهي، بنبرة من يحمل أمانة التاريخ ووصية الأرض:

“إنّ الجمعية، وقد اشتدّ بها الواجب الوطني، تقف اليوم على عتبة زمن مفصليّ، تستصرخ فيه ضمير الدولة المغربية ومؤسساتها، طلبا لسند مادي ومعنوي، يعين على صون اللسان الحساني، ذاك النبض الصحراوي الأصيل، وحفظه من غبار التلاشي، وبثّ روحه في وجدان الأجيال الصاعدة، كما تورّث الجذورُ أسرارها لأغصان الشجر.

نسعى لأن نعيد أبناء الجالية إلى حضن الوطن، لا على جناح الحنين فحسب، بل على بساط الرحلة الملموسة، ليطأوا رمال صحرائنا الطاهرة، ويشمّوا نسيمها المعطّر بالمجد، ويتعرّفوا عن كثب على رموز الوطن ومؤسساته، كي ينمو فيهم الحس الوطني كما تنمو شجرة الزيتون في أرضها: ثابتة، باسقة، ومثمرة. وها هي جمعية نون، وفي لحظة لا تحتمل الرمادية، تعلنها صريحة مدوية: الصحراء مغربية، كانت، وما زالت، وستظل… ولا عزاء للناقمين والحاقدين.

كما حضرت نائبة القنصل السيدة كوثر دلحاطي، وكان حضورها الوازن إلى جانب أبناء الجالية، دليلا آخر على الانخراط المؤسساتي في دعم المبادرات الثقافية والاجتماعية التي تعزز روح الانتماء والهوية.

الاحتفال كان لوحة فسيفسائية مغربية بامتياز: شاي صحراوي أصيل، فلكلور تراثي ينعش الذاكرة، ورقصات تلامس رمال العيون والداخلة والسمارة. فكانت جمعية نون — بصوتها، بنبضها، بروحها — صدى لصحراء الوطن في أرض المهجر، حاملة عبق التاريخ وتقاليد الأجداد إلى قلوب الأبناء في فرنسا.

جمعية نون لم تكن فقط منصة احتفال، بل كانت منصة تأكيد: الصحراء مغربية، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. أبناء الرمال لم يغلقوا صدورهم، بل فتحوها بكل دفء، فاحتضنوا كل من لم يولد على رمالها، وجعلوه منهم، لهم، ومعهم. ليلة جمعت شمال المغرب بجنوبه، شرقه بغربه، في حضن الوطن الكبير، دون تمييز ولا حواجز، إلا حواجز الحاسدين الذين لا مكان لهم في قافلة الوطن.

تدخلات المشاركين والمشاركات لم تخلُ من الإشادة بالمرأة المغربية، المرأة التي كانت وما تزال في مقدمة الصفوف: في المقاومة، في التربية، في بناء الدولة، وفي الحفاظ على الهوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci