بقلم: زكية لعروسي
يوم التنصيب في الولايات المتحدة الأمريكية ليس مجرد حدث سياسي، بل لحظة مهيبة تمزج بين التقاليد الراسخة والرمزية الديمقراطية. في 20 يناير، سيتم تنصيب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، وسط مراسم تتسم بالدقة والاحترافية، حيث تشهد العاصمة واشنطن حركة متسارعة لتنظيم الحدث.
منذ الصباح الباكر، تتوجه الأنظار إلى مبنى الكابيتول، حيث تبدأ الاحتفالات بعروض موسيقية ونشيد وطني يثير في النفوس الفخر والرهبة. على الساحة الغربية للمبنى، يؤدي الرئيس ونائبه القسم أمام حشد من المسؤولين والجمهور، في مشهد يرمز إلى التداول السلمي للسلطة، أحد أعمدة الديمقراطية الأمريكية.
دونالد ترامب ليس كأي رئيس أمريكي؛ فهو أشبه بشخصية أدبية معقدة تجمع بين العبقرية والاندفاع. كرجل أعمال معتاد على المخاطرة، ينقل تلك الروح إلى عالم السياسة، حيث يمزج بين قرارات جريئة وتوجهات قد تبدو أحيانا كأنها تتحدى المنطق.
يبرز دونالد ترامب كشخصية استثنائية، كأنما خرجت من رواية خيالية كتبها القدر بمداد الغموض والجدل. رجل تتقاطع فيه المتناقضات؛ فهو القوي الذي يُحيط به عدم اليقين، والمثير للجدل الذي لا ينفك يطرح نفسه كمنقذ محتمل.
عندما يتحدث ترامب، تتوقف الساعات وكأن الزمن يتساءل: أهو قادم ليطفئ النيران أم ليزيدها اشتعالًا؟ تصريحاته الأخيرة بشأن الحرب الأوكرانية-الروسية، وعده “بحل الأزمة خلال 24 ساعة”، كانت كصاعقة في سماء ملبدة بالغيوم، تثير في النفوس خليطا من الحذر والأمل.
وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ترامب بأنه “قوي” و”غير قابل للتوقع”، تشبيه يحمل في طياته الإعجاب والخوف. ترامب أشبه بالتراب؛ تلك المادة التي تحمل في بساطتها القدرة على البناء والهدم في آن واحد. يمكن أن يكون أساسًا لصرح جديد أو غبارًا يُثير العواصف. زيلينسكي، الذي يواجه أصعب اختبارات قيادته، يجد في ترامب مزيجا من الحصان الجامح والجندي المقدام، لكنه يتساءل في أعماقه: هل سيساعده ترامب في البناء أم سيتركه في مهب الريح؟
حينما يعلن ترامب أن بإمكانه إنهاء حرب أوكرانيا خلال يومٍ واحد، فإن عبارته تحمل بريقا يشبه شروق الشمس بعد ليلة عاصفة. لكن، كما تحرق الشمس أحيانًا أكثر مما تنير، فإن هذا الوعد قد يكون سرابا يجرّ خلفه واقعا أكثر تعقيدا. ترامب، الذي انتقد الدعم العسكري والمالي الأمريكي لأوكرانيا، قد يحمل خطة مختلفة، لكنها ليست بالضرورة ما تحتاجه كييف في صراعها ضد خصم عنيد كفلاديمير بوتين.
ترامب معروف بأسلوبه الحاد تجاه المؤسسات التقليدية والتحالفات الدولية، وقد ينتقد الدعم الأمريكي المستمر لأوكرانيا. رؤيته لحل النزاعات العالمية تعتمد على أسلوب مباشر، لكنه محفوف بالمخاطر. فإذا جلس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد تتحقق انفراجة، ولكن هل ستكون لصالح الجميع؟
كما يقول المثل: “النار لا تُطفأ إلا بالماء”، فإن السلام يحتاج إلى تخطيط دقيق ورؤية بعيدة المدى. وعود ترامب قد تحمل بريق الأمل، لكنها تحتاج إلى اختبارات عملية تؤكد مصداقيتها.
التاريخ علمنا أن الحروب لا تُحسم بالخطابات النارية ، بل بالتخطيط المحكم والقرارات المتزنة “النار لا تُطفأ إلا بالماء”. إنهاء الحرب يتطلب أكثر من وعود؛ إنه بحاجة إلى رؤية شاملة تتجاوز وقف إطلاق النار إلى بناء سلام دائم. هذا السلام لا يتحقق إلا من خلال تعزيز قدرات أوكرانيا العسكرية، تأمين حدودها، وتوفير ضمانات دولية تكبح جماح الطموحات الروسية.
ترامب، الذي يتقن لعبة الإعلام وتوجيه الأنظار، قد يمتلك الجرأة للجلوس مع بوتين على طاولة التفاوض. لكن هل يملك الحكمة اللازمة لتجنب الوقوع في فخاخ السياسة العالمية؟
ترامب يجسد في السياسة ما يجسده التراب في الطبيعة؛ يمكن أن يكون أساسًا للحياة أو مصدرًا للعواصف. بالنسبة لأوكرانيا والعالم، فإن كل خطوة قد يتخذها تحمل إمكانيات مزدوجة: إما فتح أبواب الأمل أو فتح جراح جديدة.
وكما يقول المثل العربي: “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”، فإن الآمال المعقودة على ترامب تحتاج إلى أن تُغربل بالحذر. ربما يكون ترامب شمسًا تُشرق على الحلول، وربما يكون ظلا يزيد اللعبة تعقيدا.
ترامب ليس مجرد سياسي؛ إنه ظاهرة تعكس الصراعات البشرية بين اليأس والرجاء. في لحظة غارقة في الظلام، قد يبدو كالشمس التي تحمل وعود الفجر. لكن، كما أن الشمس لا تُشرق إلا بعد طول انتظار، فإن حل الصراعات الكبرى لا يأتي بلمسة واحدة، بل بمسيرة طويلة من العمل والتفاهم.
يبقى السؤال الكبير: هل سيكون ترامب خيط الأمل الذي يُنهي النزاع الأوكراني-الروسي، أم أنه مجرد فصول جديدة تُضاف إلى كتاب السياسة المليء بالمفاجآت؟ الأيام وحدها تحمل الإجابة، وبين الحلم والحقيقة، يبقى العالم مترقبًا اللعبة السياسية بين امل وحذر.