كتبه: عبد الدين حمروش
تواجه فرنسا استحقاقا انتخابيا غير مسبوق. لم يُعهد لليمين الفرنسي المتطرف أن تَقدّم، خلال استطلاع نوايا التصويت الأخير، مثل ما هو حاصل اليوم. هناك معركة انتخابية شرسة تجري اليوم. وعلى الرغم من ديمقراطية فرنسا، ومؤسساتها الرسمية الراسخة، إلا أن بعض الأصوات بدأت تخشى من أن تنقلب الأوضاع، إلى ما هو دراماتيكي خطير. الرئيس الفرنسي ماكرون ماثَلَ بين اليمين لوبين ويسار ميلونشون، ونعتهما بالتكتلين المتطرفين معاً.
إن فرنسا مُتعبة اليوم، ولم تعد تلك التي كان الجميع يعرف. تحولات جيوبوليتيكية هادرة، بظهور قوى إقليمية ودولية صاعدة، أو تكتلات عابرة للقارات قوية مثل البريكس، إضافة إلى الصراع الروسي- أوكرانيا، هي بعض مما يزري بمكانة فرنسا في محيطها “الاستعماري” القديم، وحتى في العالم ككل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
وبالنظر إلى ما تعيشه فرنسا من ضيق اقتصادي، زادت وطأته على رفاه الفرنسيين مؤخرا، فليس بمستطاع اليمين الفرنسي إلا توجيه خطابه الشوفيني المسموم نحو المهاجرين (من شمال إفريقيا بالدرجة الأولى). إذا كان للمهاجرين، والمهاجرين غير النظاميين بالخصوص، تأثير ما، فهو جد محدود على وضع فرنسا الاقتصادي، وبالتّبع تأثير على الوضع الاجتماعي. بقيت في الجعبة رصاصة، هي رصاصة اليمين المتطرف. ليُطلقْها الفرنسيون قريبا، ثم يرتاحوا من وعود اليمين الشّعبويّة.
الانتخابات القريبة حاسمة. ولكن، لنركز “الكوليماتور” على نتائج تأثيراتها، فيما يخص العلاقة بالمغرب. خلال أكثر من أسبوع، بدأنا نجد من المُحلِّلين من أخذ يذهب إلى أن يمين لوبين أفضل للمغرب، بالنسبة إلى قضية الصحراء المغربية. سمعنا هذا من زعيم التجمع الوطني الجديد، الشاب جوردان بارديلا نفسه. ومع ذلك، فعند قياس الضرر الذي يمكن أن يلحق المغرب، سواء بالنسبة لليمين أم بالنسبة لليسار، فلن نجد أكثر مما كان من إيمانويل ماكرون، في معاداته لمصالح المغرب.
ومع ذلك، فماذا “قضى” ماكرون، حين وجّه عنايته إلى الجزائر؟ لا شيء. وكما قال بارديلا، فلا ماكرون كسب الجزائر، ولا حافظ على المغرب. فَشَل في فشل. ليست الأمور من السهولة بمكان، بحيث تجعل ساكن القصر الرئاسي، أو ساكن القصر الحكومي، يستفيق صباحا، ثم يقرر في شأن المغرب بما شاء. هاك مصالح مركبة، متبادلة ومرعيّة. وفرنسا تعلم، في ظل ظروفها الإقليمية والعالمية الحالية، أنها مُضطرة إلى بناء سياسات متوازنة إزاء شركائها. والعبرة، يمكن تلمُّسها والتماسها من اليمينية الإيطالية المتطرفة، جيورجيا ميلوني.
المغرب كوّن مناعة ذاتية قوية تُجاه مناورات الخصوم، وتقلباتهم المزاجية المصالحية. وهو لن يتراجع إلى الوراء، مادام يبني سياسات اقتصادية استراتيجية قوية، تجاوزت إقليم صحرائه إلى دول الساحل، وإلى باقي دول إفريقيا شرقا وغربا. هل كان، هناك، أسوأ من عهد ماكرون؟ الغريب أن فرنسا، المزعوم أنها أقرب الحلفاء إلى المغرب، والأكثر تفهما لحقوقه الترابية، ظلت دون مستوى دول مجاورة في أوروبا، مثل إسبانيا وبلجيكا.
ماذا تفعل فرنسا المقبلة، في أسوء حالاتها، ضمن محيطها الأوروبي الإيجابي الحالي؟