صحيح أن طنجة في الذاكرة هي مدينة البوغاز ومهوى إبداع محمد شكري، وهي أيضا في التراث الفني “طنجة العالية”، لكن طنجة على أرض الواقع مشاريع عقارية ونشاط صناعي وسياحي.
لكن، عندما يضرب تسونامي الفوضى هذه الأعصاب التي تبعث الحياة في هذه المدينة الكبيرة فإننا نكون وجها لوجه مع احتباس اقتصادي خطير يوقف عجلة التنمية، في مدينة حساسة جيوستراتيجيا بالنسبة للمغرب المطل على أروبا.
ومنذ سنوات طويلة لم تعش طنجة وضعية شبيهة باللحظة الراهنة التي تخيم عليها بظلال جمود المشاريع العقارية، مع ما يصاحبها من ركود اقتصادي وعطالة وأزمات اجتماعية بالضرورة.
ويعزى هذا الوضع الشاذ أساسا إلى تجريد المصالح التابعة لوزارة الداخلية رؤساء عدد من مقاطعات المدينة من صلاحيات توقيع تراخيص البناء والمطابقة، وجعل كل ذلك تحت مجهر المراقبة اللصيقة.
ولم تتوقع الإجراءات الاحترازية هذه في هذا المستوى بل تعدته، وفق مصادر مطلعة، إلى تنبيه رسمي لعمدة المدينة إلى جانب رؤساء كل من مقاطعات كزناية وبني مكادة تحديدا إلى ضرورة الرجوع في كل التراخيص إلى كل اللجان التقنية المختصة بكل من الولاية والوكالة الحضرية.
وفي التفاصيل، ولكي يأخذ المهتم بالشأن المحلي والوطني صورة حقيقية تقربه من واقع طنجة كما هو وبلا مبالغات أو تجميل للقبح، فقد تعرض مشاريع ضخمة للتوقيف، وهي كما يلي:
ـ توقيف تشييد عمارات كبيرة قبالة فندق “هيلتون غاردن” رغم حصوله على التراخيص،
ــ توقيف مشروع عقاري ضخم ثان يطل على شاطئ “مالاباطا يعود لمستثمر عقاري شهير،
ـ توقيف مشاريع عقارية كبرى أخرى وسط المدينة مكونة من عدة طوابق بذريعة خرق القانون عبر إضافة طوابق غير مرخصة. .
ويبدو من خلال هذه القرارات الصارمة أن الأمر لا يعني التعطيل الكلي للمشاريع بل رغبة الجهات المهنية في عدم التساهل مع التلاعب بالقوانين الجاري بها العمل.
وأمام هذا الجو المتشنج، يسود حاليا أوساط كبار المنعشين العقاريين بالمدينة حالة من الأعصاب المشدودة والترقب، خاصة وأن مشاريعهم باتت محط مراقبة متشددة.
وفي عالم المال والأعمال كل تفصيل صغير قد يكون مؤثرا وحاسما في مصير مشاريع كبيرة، فما بالكم بمستثمرين كبار منهم من كان قد تسلم من الزبائن تسبيقات مهمة على البيع لمشاريعه العقارية؟
المؤسف حقا أن يحدث كل هذا في طنجة التي انخرطت مبكرا في المشاريع المرتبطة بمونديال 2030 الذي يعول عليه مغرب اليوم وغدا لإحداث القفزة التنموية المشروعة والمنتظرة من قبل أجيال متعاقبة.
ولأن مشاكل العقار في طنجة فضلت ألا تأتي منفردة فقد انضاف إلى كل هذا المشهد السوريالي حادث كارثي تمثل في سقوط عمارة كانت قيد البناء في منطقة “الرهراه”، مع ما سيخلق هذا الحدث من نفور للزبائن تحت الخوف من البناء المغشوش، مع ما سينتج عن ذلك من ضرر بالغ للمشاريع التي استوفت شروطها القانونية والتقنية.