بقلم: برعلا زكريا*
في الخامس من مارس عام 2024، هز العالم حدث غريب لم يتوقعه أحد، توقف تطبيق فيسبوك عن العمل، حيث تهاوت المنصة العملاقة فجأة، تاركة وراءها مليارات البشر في حالة من الارتباك، فمنهم من أعاد تشغيل هاتفه مرات عديدة، ومنهم من هرع ليتفقد رصيد الأنترنت ظانا أن مشكلة ولوج “فيسبوك” عطب محلي.
للإشارة ليست المرة الأولى التي تتعطل فيها المنصة بشكل مفاجئ على الصعيد الدولي.
تظهر هذه الحادثة خطورة الاعتماد على منصات التواصل بشكل خاص والنظام الرقمي عموما، حيث أن أي عطل تقني أو هجمة إلكترونية قد تسبب شللا تاما في التواصل وحالة فوضى في المجتمع الذي صار أقرب إلى الرقمي من الواقعي.
مر هذا الحدث مرور الكرام، مع أنه يستدعي إعادة النظر في علاقتنا بالبعد الافتراضي.
وأحد هذه الجوانب واقع العلاقات الاجتماعية، فليس مبالغة أن نقول بأن دفء التواصل الحقيقي وجمال العلاقات الإنسانية أضحى في طور الانقراض.
وفي عالمنا المعاصر، باتت العلاقات أشبه بفقاعات صابون، تتكون بسهولة وتنفجر بلمسة يد. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها بشكل كامل، أصبح من اليسير التواصل مع الآخرين، بنفس قدر سهولة إنهاء هذه العلاقات.
يشير عالم الاجتماع “زيجمونت باومان” إلى هذا المفهوم بمصطلح “السيولة”، فتصبح العلاقات قابلة للاستهلاك، ونستخدمها ثم نتخلص منها عندما نحتاج إلى شيء جديد.
وإذا اعتبرنا أن لكل مجتمع مميزاته وأمراضه فإنسان اليوم الذي ينطبق عليه وصف “الرقمي” هو الأكثر تواصلا في التاريخ والأكثر عزلة في نفس الوقت ! بدليل شيوع تفكك الروابط الأسرية وانتشار الشعور باللامبالاة وضعف التكافل الاجتماعي، ما يفسر كذلك ارتفاع نسب الانتحار خصوصا في صفوف اليافعين.
وقد يبدو هذا الرأي نوعا ما متشائما لكن أفترض أن العودة لأجواء علاقات يغدق عليها المودة والتسامح والاستدامة صار أمرا نادرا وصعبا إن لم يكن أقرب إلى المستحيل.
نظريات أخرى تربط ما آلت إليه حياة الإنسان “المرقمن” إلى قوى ظلامية تتحكم بأهم شرايين الحياة على مستوى العالم وهي الإعلام والاقتصاد، تسعى بشكل حثيث لفرض السيطرة وتشكيل النماذج الاجتماعية وتوجيهها نحو الاستهلاك ومن بين أدواتها منصات التواصل العالمية، بل أن هناك من يرى أن توقف موقع “فيسبوك” على الصعيد العالمي لم يكن بريئا.
باحث في قضايا الأسرة جامعة محمد الخامس بالرباط*