بقلم: عبد الدين حمروش
أقرب إلى بطاقات شخصية، أو بطاقات هوية بتعبير آخر. وداد، من خلال ديوانها “في تضام”، اصدرت بطاقات تعريف، لأكثر من اسم، بتعبير ثالث. غير أن البطاقات، التي اشتغلت على إخراجها الشاعرة، لم تكن معنية بها إلا فئة محدودة من الأسماء. لم تتجاوز في عددها أحد عشر اسما، أو بالأحرى أحد عشر كوكبا، من الشرق والغرب، على التوالي: فيروز، غابرييلا ميسترال، نيكوس كانتزاكي، فريدا كاهلو، إيميلي ديكتسون، إيديث بياف، سيلفيا بلاث، روسيو خورادو، آنا أخماتوفا، بابلو نيرودا ومارسيل خليفة.
وبانخراطنا في تفحص البطاقات، نصل إلى استنتاج فاصل: البطاقات المستخرجة لتلك الأحد عشر كوكبا تعني “الداخل” أكثر مما تعني “الخارج”. لنترك “البطاقات” جانبا، ولو للحظة، ولنستعمل مصطلح بورتريهات. الشاعرة وداد، وهي الفنانة التشكيلية، أيضا، انتهت من وضع بوتريهات لأقرب من تجدهم مقربين إليها. إنها بورتريهات، بمختلف الألوان والغامات، وإن اتضح أن أغلبها كان مسلطا على “الداخل”، في ما تعلق بأمزجة شخصياتها، وطبائعهم النفسية. ما معنى “هادىء القلب”، أو “رائيا كنت”، أو “الحاد الطباع” في ما رسمته من ملامح للشاعر محمد خير الدين مثلا؟
انتحت وداد المنتحى الأصعب، بل وغير المضمون، من الناحية الشعرية، أحيانا، في التعاطي مع بطاقات أو بورتريهات اقربائها المعنويين، أي من هم أبطالها الأماجد بالتأكيد. باستثناء الإحالة إلى فندق “باليما”، المعين بالاسم، لا نعثر في ما نقرأ عن خير الدين، ضمن إطار البورتريه، المصوغ بلغة شفافة، إلا على شخصية مجردة، بملامح “نفسية” و”طباعية” استثنائية.
هل آلت وداد إلى استحالة إنجاز مهمتها الشعرية الخطرة هاته، عبر “مراودة” المزاجي النفسي، المعنوي المجرد، الزلق المنفلت؟ في هذه الحالة، كانت وداد مضطرة إلى أن تلجأ إلى استعمال “المدفعية الشعرية الثقيلة”، عبر التنويع في مقارباتها التصويرية لموضوعات بورتريهاتها. الصور الشعرية لديها، مجسدة في مختلف الأساليب الاستعارية، كانت تتراكم وتتراكب لتقترب بنا من الموضوع، أي دون ان تطبق عليه، وبالتالي تستهلكه. الأمر ظل يتعلق بمقاربة شعرية خالصة تقترب ولا تستوعب، تلتف ولا تطبق، تكني ولا تصرح.
بقي لنا أن نطرح سؤالاً ذا دلالة وأهمية في تطور هذه “الكلمة” التصاعدي: لماذا الاقتصار على تلك الأسماء/ الشخصيات من الكتاب والفنانين؟ يمكن تلمس الجواب في ما سبق أن قلناه، أي في ما سبق أن عيناهم بكونهم أقرباء حميمين لوداد. بدون تردد، هم، فعلا، كذلك. العنوان المختار للديوان، أي “في تضام”، يحيل إلى الأمر بصيغة لا مواربة فيها، ولا مخاتلة. إن علاقة وداد بأقربائها، هنا، تتجاوز حدود التشابه إلى التطابق، أو بالأحرى إلى التضام. مهمة مستحيلة لا ريب: في ما هي تقترب تريد أن تطبق، وفي ما هي تحيط تريد أن تخترق. يا لها من مهمة مزدوجة. خطرة، وغير مضمونة فعلا.
ببلوغنا هذه النقطة، يمكن اللجوء إلى استعمال مفهوم “المرآة”، الأكثر توفيقا من استعمال مفهوم البطاقة. عبر المرآة، يمكن الشروع في الانتقال إلى الحديث عن مفهوم القصيدة السيرية، ولكن المزدوجة ذات الوجهين: ذاتي وغيري معا. وبتعبير أدق، فالموضوع غدا يتصل بسيرة باتت تتشظى فيها وداد، وتتناتر في سير/ صور آخرين، من الأحد عشر كوكبا الذين تناولت رسمهم بريشتها.
في هذه الورقة/ “العجالة”، ما الذي كان بالإمكان التطرق إليه، ولم نعرض له ولو لماما في صورة وداد، هاته التي ظلت تتناتر صورا/ سيرا غيرية متعددة، في أحد عشر نصا/ كوكبا موزعة على صفحات ديوانها؟ ما لم يأت القول عليه تقريرا، بالمستطاع صياغته استفهاما، عبر طرح السؤال التالي: يا ترى من هي الصورة الأقرب إلى صورة وداد، من مختلف تلك الصور/ البورتريهات المرسومة، التي غرفت فيها بريشتها من محبرة ألوانها؟ سأخمن، ثم أزعم بطلقة قول واحدة: إنها فريدا كاهلو العجيبة الغريبة، المقامرة المخاطرة، المحبة الشغوفة، الفاتنة المفتتنة، اللاعبة واللعوب..
فريدا التي أحب أيضا.