السيدة الوزيرة ليلى… الوطنية ليست مبررا لمؤامرة الصمت! (بقلم: عبد الحميد جماهري)

تريد ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أن تجعل من الوطنية مسوغا سياسيا للسكوت عن سوء تدبير ملف المحروقات في المغرب، وترفعها كفزاعة في وجه من ينتقدون بل من يتجرأون على التفكير بصوت عال في هذا الملف الحارق. وهي ترفع سوء التدبير والتواطؤ مع الأثرياء الجدد والقدامى من ملف المحروقات إلى درجة المقدس الوطني !
وهي فرصة لنتأمل الطاقة الكبيرة التي تبذلها السيدة الوزيرة كي لا يتحدث أحد في الطاقة!

السيدة الوزيرة، وبعد صمت غير مبرر في أحد أكبر الملفات راهنية في العالم كله، نطقت بما يفيد أن الحديث في المحروقات خدمة للأعداء. وهي المرة الأولى التي نسمع فيها بأن المحروقات ثابت وطني وديني وعقائدي، كل حديث فيه باطل بمقتضى الوطنية الطاقية!

قالت بنعلي لأعضاء لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، يوم الأربعاء 7 يونيو الجاري، إن»مشكل الغاز الطبيعي جعل كل أعداء المملكة يشهرون أوراقهم ضد المغرب»… وفي ربط غير منطقي بتاتا أضافت أن «الحديث عن هذه الملفات لن يترك وقتا للحديث عن مسائل جوهرية تهم الاستراتيجية الطاقية للبلاد».

كان المنطقي أن نستخلص مما سبق أنه علينا أن نحسم الموضوع لفائدة المغاربة، حتى لا نترك للأعداء ورقة ضدنا. كان المنطقي أن نستنتج بأن الملف برمته دخل بالمغرب إلى منطقة غير آمنة وأن المنطق الوطني يفترض أن نناقش الموضوع من زاوية السيادة الطاقية التي أمر بها الملك.. وما كان لملك البلاد أن يأمر بشيء موجود بل إن انعدامه هو الذي دفع الساهر على أمن الأمة إلى وضعه على طاولة القرار الحكومي.

لاشيء من هذا اختارته السبدة الوزيرة، بل شقت عصا اللحظة، في وقت أمر فيه مجلس المنافسة بمعالجة التنافسية الحقيقية في هذا الملف.

لا نفهم خرجة الوزيرة إلا إذا وضعنا في عين الاعتبار أنها تدعو إلى طي صفحة الطاقة بما يخدم أصحاب المصلحة فيها.ولا ضرورة للحديث في شرح البدهيات …لأن شرح المحروقات في المغرب اليوم…. من المفضحات …

لا يمكن أن نفهم هذا الجنوح لدى الوزيرة، إلا إذا ما وضعنا قاعدة «فقهية» في خدمة أصحاب المحروقات، وتلكؤ الحكومة في معالجة تبعاتها وتداعياتها على المغاربة، خدمة للوبي الكبير والقوي في البلاد، الذي يمكنه أن يصنع السياسة الطاقية ولفائدة أصحابها أولا.

الوزيرة ارتكبت خطيئة وطنية عندما أرادت من الوطنية أن تغطي على الإثراء غير المشروع وغير الأخلاقي في عز الأزمة.والوطنية لا يمكن أن تكون مظلة للحكامة المغشوشة في موضوع كان من الممكن ان يتحول إلى قنينات انفجارية في وضع اجتماعي متأزم.. والحال أن الوزيرة رددت مقولة سمعناها كثيرا في ملفات الفساد والإثراء اللاأخلاقي.

كما حدث في قضية تذاكر المونديال، لقد سمعنا بالفعل من قال إن الخوض في الفساد الذي حدث خدمة لأعداء الوطن: انظروا إلى الأعداء الشرقيين كيف سيفرحون من هذا الفساد!
وكان المنطقي هو أن يقول مثل هؤلاء القائلين: أين الفاسدون لندخلهم السجن حتى لا يفرح الأعداء.

ولم نسمع من يقول: إن الخدمة الأولى والأخيرة لأعداء المغرب هم الفاسدون والمرتشون والعاجزون من أعضاء الحكومة عن تطبيق القانون كما يدعو إليه كل المغاربة وملكهم.
الفاسدون الذين يخربون الوطن، لا يقفون عند مص دمه فقط بل يسعون إلى تحويله إلى حليف لهم، ويسعون إلى تحويله إلى فزاعة يضعونها أمام أبناكهم وأمام ضيعاتهم وأمام فيلاتهم …
وفي حالة السيدة الوزيرة إن الوطن يراد له أن يكون الحارس المقدس للعجز في تدبير ملف كل العالم فيه أعداء بعض منذ اندلعت الحرب، والكل يدافع عن مصلحته. ولا يمكن أن تتحول حماية لوبي من الخواص إلى درس في الوطنية !

لقد حاول كثيرون من قبل الوزيرة أن يفرضوا قانون الصمت المتواطئ باسم الوطن، ضد الديموقراطية، وبدعوى حماية مصلحة الوطن في قضية وحدته الترابية، وتبين بعد صراع مرير أن الذي يجعل صوت المغرب مسموعا هو .. الديموقراطية والحديث عن الديموقراطية والدفاع ضد الاستبداد والريع الاستبدادي الذي نخر البلاد وأوصلها إلى السكتة القلبية. ولطالما اعتبر محافظو وهواة الاستعباد أن الحديث في المساواة وفي توزيع الثروة امتداد لمصلحة الأعداء وتبين من بعد أنهم هم الأعداء. ..

الفساد وسوء التدبير يعفينا من البحث عن الأعداء في الخارج، بل يصنعهم في الداخل «made in maroc»، وهذا ما يحدث اليوم عندما يراكم حفنة من الأثرياء ثروات خيالية من المحروقات وتحترق طبقات بكاملها من جراء ثرائهم ويدفع الوطن ثمنا للسلم الاجتماعي بدلا عنهم!

السيدة الوزيرة يجب أن تعرف بأن الحقيقة التي نخفيها تصبح … سامة! وأن لا سياسة حقيقية إلا سياسة الحقيقة. والمغرب يتفرد بأنه يصنع معجزته من لا شيء، في قضايا عديدة، … وأن المغاربة ما زالوا ينتظرون حلولا لقضايا تهمهم ومنها قضية «لاسامير»، والتي سيأتي يوم وتظهر حقيقة هذا الرفض (يقال ولله أعلم إن شخصية محروقاتية وازنة أقسمت بأغلظ الأيمان بأن هذا الموضوع لن يحل )!!

وإلى أن تشتعل الحقيقة، لن يسكت أحد في المغرب تلبية لنداء الوزيرة ..ألم يكن حريا بالوزيرة أن تضع الذين يسخرون حاجة الوطن، في حالة الندرة وقلة ذات اليد لفائدتهم، في خانة .. المشبوهين؟ ألم تكن الشجاعة تقتضي أن تقول بأن الذين أثروا في حرب المحرورقات، علي هامش الحرب الروسية الأوكرانية مشكوك في وطنيتهم في زمن كان الوطن في حاجة إليهم؟
ألم يكن قمينا بها أن ترفع الصوت وتقول إن الوطن في حالة حرب ضد الغلاء وارتفاع الأسعار، وأن الذين يستغلون ذلك متهمون بالتعاون مع العدو؟ ألم يكن من الشجاعة السياسية أن تصرخ في البرلمان أن هؤلاء متهمون بعدم تقديم خدمة لبلاد في حالة خطر؟كيف تركتم الوطن وحيدا، وتريدون تكميم فمه كي لا يصرخ من الألم؟ أيها السادة الوزراء إنكم بفشلكم هذا تقدمون خدمة لأعداء الوطن، وأنتم الذين تدفعون بالمغاربة إلى تكسير جدار الصمت ورفض مؤامرة الصمت، كما سماها المرحوم الحسن الثاني..