“صدر حديثا للباحث العراقي- الأمريكي د. فوزي عبد الرزاق كتاب بعنوان: “تاريخ حركة الطباعة والنشر في المغرب خلال فترة الحماية
تقديم هذا الكتاب الذي سيتم عرضه خلال الدورة الثامنة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، هو من توقيع الكاتب و الشاعر حسن نجمي.
“العراقي الذي فتح الأعين على تاريخ مملكة الكتاب
ما إِنْ انتهيتُ من قراءة هذا الكتاب : تاريخ حركة الطباعة والنشر في المغرب خلال فترة الحماية (1912-1956)، حتى تأكد لي فعلًا أن الكتاب الحقيقي دائمًا هو الكتاب الذي ينتهي حيث ينبغي أن يبدأ.
أنت تقرأ الكتاب وحدك، في عزلتك وصمتك، مُتَدَرِّجًا عَبْرَ صفحاتِهِ ومعطياته وأفكاره وفرضياته وشكوكه وتأكيداته، متوقعًا أن تصل إلى خلاصات نهائية، لكنك تجد نفسك أمام مزيد من الأسئلة والكشوف والعناصر الجديدة تمامًا. وبدلًا منْ أنْ تنتهي عند حدٍّ مَّا، تكتشف أن عليك أن تنطلق من جديد في مجرًى آخر من البحث والقلق والسؤال.
هذا هو معنى الكتاب الجيد، الكتاب الحقيقي، إذْ يَبدأ مسبقًا قبل الكتاب ذَاتِهِ ويكون له ما بَعْدَهُ. وتَشْعُر وأَنْت تَقْرؤُه بنوع من اللقاء الذي يتأسس بل لقاء يتجدَّد مع المؤلف بالنسبة إلى حالتي بشكل خاص.
ويأتي هذا الكتاب ليواصل مسَارَ مشروعٍ فَذٍّ من البحث والتَّقَصِّي والتدقيق.
وقد بَدَأَ هذا المشروع الفردي الكبير منذ كتاب الأستاذ فوزي عبد الرزاق : المطبوعات الحَجَرية في المغرب (دار المعرفة، الرباط – 1989). وهو كتابُ فهرسةٍ وتأريخٍ أولي، لكن المؤلف قَدَّم فيه حكاية المطابع الحجرية المغربية، ومن خلالها قصة المغاربة في الكفاح ضد العزلة والأمية والجهل، وفي كفاحهم من أجل مشروع إصلاح نهضوي ثقافي ديني إلى جانب محاولات الإِصلاح السياسي والإداري والاقتصادي والعسكري التي باءت بالإخفاق، وإن توفقوا إِلى حدّ في التأسيس لوعي وطني معين، وفي صياغة أسس جديدة لِشخصية مغربية كانت قد حكمت على نَفْسِها طويلًا بالانغلاق والجمود والنَّأْي عن التيارات الحضارية والفكرية الجديدة التي كانت تمور في العالم آنذاك.
وظَنّي أن هذا الكتاب، الثالث عمليًّا من مؤلفات الدكتور فوزي عبد الرزاق في إطار مشروعه العلمي الأكاديمي حول تاريخ الطباعة في المغرب، يأتي ليستكمل أساسًا بلورة فكرة كان قَدِ اسْتَنْبَتَها في كتابه الأول عن المطبوعات الحَجَرية، وهي فكرة العلاقة الجوهرية التي قامت في تاريخ المغرب المعاصر والحديث بين فكرة الطباعة وفكرة الوطنية، بين التقنية والإِصلاح، بين وظيفة النَّشْر والكفاح السياسي والسوسيو–ثقافي، بين الكِتَاب والقارئ وما بينهما من سلسلة وظائف وتقنيات وعمليات وأدوار ومهام ومقاصد ورهانات.
ومن هناك، من انطلاقِهِ في رَصْدِ وتَتَبُّع وضبط المنشورات الحجرية المغربية، ومن إطلاعه على الجهد التأريخي الريادي التأسيسي لكل من المؤرخ العَلَّامَة محمد المنوني في كتابه : مظاهر يقظة المغرب (منشورات وزارة الأوقاف، الرباط – 1973) والمؤرخ الكبير جيرمان عياش في دراسته الشهيرة : ظهور الطباعة في المغرب (مجلة هسبريس – تامودا، الجزء الخامس – 1964) عَرفَ كيف يرسم طريقه في البحث العلمي باعتبار تخصصه المهني بصفته أمينًا لمجموعة الكتب العربية آنذاك في مكتبة جامعة هارفارد، ومن ثَمَّ كان المغرب أفقًا لانطلاقه الفكري والدراسي، وتحديدًا موضوع الطباعة وتاريخها وتشابك علائقها مع التاريخ والثقافة والدولة والمجتمع.
هكذا، انبثقت فكرةُ أطروحتِهِ لنيل الدكتوراه في جامعته الأمريكية في بوسطن، والتي أنجزها ودافع عنها سنة 1990، في موضوع تاريخ الطباعة تحت عنوانٍ جميلٍ آسِرٍ (مملكة الكتاب : تاريخ الطباعة في المغرب 1865-1912)، وهي الأطروحة التي نَشَرَها في كتاب قام بترجمته إلى العربية الأستاذ الصديق خالد بن الصغير، باقتدار وروح عِلْمية ومِهَنية، بينما تولت نَشْرَهُ كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط (الطبعة الأولى، 1996).
لقد كان ذلك الكتاب الفذ هو أول ما قَرَأْتُه للصديق الدكتور فوزي عبد الرزاق.
وما إن عُيِّنْتُ مديرًا مركزيًّا مكلَّفًا بمديرية الكِتَاب والنَّشْر والمحفوظات حتى فَكَّرتُ في أن أُطْلِقَ على الدورة الجديدة للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء آنذاك (2008)، شعارًا مميزًا له، عنوان كتاب د. فوزي : مملكة الكتاب. وهكذا جَرى أول اتصال بيننا، واستَضَفْتُه ضمن ضيوف المعرض لا بوصفه زائرًا مِهَنيًّا اعتاد التردد على المعرض منذ سنوات متعددة خَلَتْ.
ولا أبالغ، لا أجامل حَتَّى، إنْ قلتُ إن كتاب “مملكة الكِتَاب” هو أحد أجمل وأهم الكتب التي قرأتها في حياتي عن المغرب الثقافي، وتحديدًا عن تاريخ الكتاب في المغرب. فقد كان كتابًا له سَعَةٌ في الرؤية، وحِسٌّ نقدي بارع، ومقاربة تاريخية اجتماعية استندت إِلى الروح الخطابية ما بعد الكولونيالية في النظر المرتاب إلى العلاقات الحضارية والثقافية بين الشرق والغرب، كما جاء ليُسْهم فعليًّا في إِثراء مكتبة تاريخ المغرب، وليُعزّز جُهُودَ مؤرخين وباحثين مغاربة اقتربوا من هذا الموضوع من أمثال الرائدَيْن اللذين أشرت إليهما (محمد المنوني وجيرمان عياش)، أحمد شوقي بَنْبِينْ الذي كرَّسَ كثيرًا من الأبحاث لموضوع الطباعة الحجرية، خصوصًا دراسَتَه : الانتقال من ثقافة النَّسْخ إلى ثقافة الطَّبْع : الطباعة الحَجَرية في المغرب، لطيفة الكَندوز التي أَصْدَرتْ كتابين في الموضوع : أحدهما، المنشورات المغربية منذ ظهور الطباعة إلى سنة 1956 (2004)، والآخر : الطباعة والنشر بالمغرب 1865-1956 (2014) ؛ وكذا ليتكامل د. فوزي بهذا الكتاب – الأطروحة بل بمشروعه ككل مع إِسهامات باحثين آخرين من أمثال الأستاذ يوسف تِدغي وكتابه : الكِتَاب والمطبعة العِبْرية في فاس (1994)، والأستاذ محمد سديد في حفرياته حول الطباعة بالمغرب (1997)، والباحث الشاعر الصديق حسن الوزاني الذي تناول إنتاج المطبعة الحجرية وفق مقاربة بِيبْليُومترية ضمن تحقيقه ودراسته لمخطوط معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين للمؤرخ عبد الرحمن بن زيدان (منشورات وزارة الأوقاف، الرباط – 2009).
لقد وفَّرَ لنا كتابُ “مملكة الكتاب” أولى الأجوبة العلمية الدقيقة، حسب ما كان متاحًا للمؤلف من وثائق ومعطيات آنذاك، على أسئلة كانت قائمةً ومُلِحَّةً داخل اهتمامات تاريخنا الثقافي والاجتماعي والفكري، وذلك حول طرائق إنتاج المعرفة وتداولها في مغرب ما قبل الحماية الفرنسية والاسبانية، وحول أسباب تأخر المغرب عن باقي الدول الإسلامية الوازنة عن استجلاب واستعمال المطبعة، وللمفارقة، رغم جواره للجغرافيا الغربية الأوروبية، وحول التخلف عن طبع ونشر وتداول الكتاب بدل المخطوطات، ثم كيف وصلت المطبعة أخيرًا إِلى المغرب سنة 1864، وكيف صادرتْها الإِدارة المخزنية من صاحبها محمد الطيب الرُّودَاني بمجرد وصوله إِلى ميناء مدينة الصويرة في تلك السنة مرفوقًا بطابِعٍ مصري مُحْتَرِف، وبمعيَّتهما الآلة الحديثة التي اقتناها بمفرده وإرادته وتَطلُّعه، من مصر في طريق عودته من الحج… إِلى غير ذلك من المعطيات التاريخية المُوَثَّقَة التي لا محيد للمثقفين والباحثين المغاربة عن الاطلاع عليها لاستكمال إِحاطتهم بتطور حياتنا الثقافية والأدبية والفكرية، وبالخصوص حول بدايات التحول من استعمالات الخط في التأليف والنشر وتعميم المعرفة إِلى تقنية الطبع الحَجَري أولًا، إِلى الطبع السِّلْكي، ثم إلى الطباعة المتقدمة المعاصرة كما بِتْنَا نعرفها اليوم، وكذا حول أسباب مقاومات التقليدية المغربية لفكرة الإِصلاح والتغيير، وحول معنى تغيير القوة المالكية في المغرب لمواقفها من أنساقها وأنظمتها التقليدية، والدور الذي لعبَتْه تدريجيًّا تقنية الطباعة قبل عهد الحماية… وما إلى ذلك من وقائع وأحداث وتحولات.
والواقع أن موضوع تاريخ الطباعة لم يكن مطروقًا بوفرة لدى الباحثين والمؤرخين المغاربة، فأَحْرى أن يتصدَّى له باحث عربي عراقي جاء من حقل الكتابة النقدية الأدبية والممارسة الإِعلامية إِلى حقل التاريخ والبحث العلمي، ومن مشرق العالم العربي إلى مغربه، ومن العراق إلى المغرب، ليعثر على أفقه واهتمامه الجديدَيْن في تاريخ الكتاب المغاربي، المغربي على وجه التحديد.
ولأن كُلَّ كتاب، كما يقال، “يقفُ خَلْفَه إِنسان مَّا” (رَايْ بْرَادْبُوري)، أي يوجد خلفه شخصٌ واسْمٌ وتجربة ومسارُ حياةٍ وتكوين، أود أن أقف قليلًا عند المؤلف د. فوزي عبد الرزاق كما عَرفْتُه، ومن خلال ما عَرفْتُه عنه. فقد وُلِدَ الدكتور فوزي سنة 1945 لأُسْرة عراقية تُركْمَانية. كانت تربيته ودراسته الابتدائية والثانوية في مدينة كركوك، وذلك قبل أن يحصل على الإِجازة في بغداد سنة 1967. وأَهَّلَتْه هذه الشهادة للتدريس في العراق لمدة سنَتَيْن. بعد ذلك هاجَرَ إِلى الجزائر للتدريس هناك، وهي فترة استغرقت ثلاثَ سنوات (1969-1972)، انتقل بعدها إلى بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية حيث نال الماستر، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الموضوع المغربي المشار إليه سنة 1990.
في سنة 1966، كانت قد بدأت أولى اهتمامات فوزي الأدبية، ونشرت له بواكيره النقدية في صحيفة “النور” البغدادية بَدْءًا من سنة 1969، ثم واصل نشر كتاباته في عدة مجلات وصحف عربية، في بيروت والقاهرة والجزائر. كتابات توزعت بين الشّعْر والنقد الأدبي والمقالة الصحفية والكتابة في التصوف. وفي سنة 1973، صَرفَ اهتمامه إلى العمل البِيبْليُوغرافي وتاريخ الطباعة في المغرب. ولم يُغَيّر هذا الشَّغَف العلمي والمعرفي منذئذ. وفي هذا الطريق الطويل، دَرَّسَ في جامعة هارفارد لِرُبُع قَرْنٍ أستاذًا للآداب العربية، وأسس وترأس دار المهجر في كمبريدج (1984) التي كَرَّسَها لخدمة الآداب والثقافة العربية. وإليه يعود الفضل الوافر في تعزيز المكتبات الجامعية الأمريكية بالكتب الصادرة بالعربية في مختلف الفروع المعرفية والعلمية والأجناس الأدبية.
حين هَاجَرَ فوزي عبد الرزاق إِلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1972 حيث استقر فيها حتى الآن، ظل على تواصل مع الحياة الأدبية والثقافية المغربية، يقرأ ويتابع ويتردد على المغرب، وأتيح له أن يزور عدة مدن كفاس، وتطوان، والرباط، والدار البيضاء وطنجة بل زار الناظور ومليلية ووجدة الأبعد عن “المركز الثقافي” المفترض !
ولم يُخْفِ إِعجابَهُ المتواتر، كما أشار في مدخل كتابه “مملكة الكتاب“، “بقدرة المغرب العجيبة على صيانة لغته العربية وحفاظه على مظاهر عديدة من تراثه الإسلامي“، وذلك بالرغم من المحاولات العديدة التي بذَلَتْها الحماية الأجنبية خلال أربعة عقود ونَيِّف لتقويض مؤسساته وأنساقه التربوية والاجتماعية، وممارسة جملة من التهديدات الثقافية واللغوية الاستعمارية. وظل الصديق فوزي “يُعَلّلُ قدرة المغرب القوية على تحصين كيانه بِتَبَنِّيه نظامًا تربويًّا مزدوجًا يجمع بين الدراسات الإسلامية والقضايا الواردة من الغرب مباشَرَةً بعد بداية الحقبة الفرنسية سنة 1912″ (مملكة الكتاب، التمهيد – ص. 11).
ومع نهاية سنة 1977، انطلق التوجه العملي لاهتمام الباحث فوزي عبد الرزاق بالمغرب، وذلك في إثر تعيينه أمينًا للمجموعة العربية بمكتبة جامعة هارفارد حيث أنيطت به مهمة اختيار الكتب واقتنائها وفهرستها. هكذا وجد نَفْسَه، من خلال ذلك الموقع، في خضم المصنفات المغربية. وهناك انتبه إِلى مطبوعات فاس الحَجَرية التي كانت لاتزال تبدو بعيدة عن التناول والقراءة وفَكّ أسرار خطوطها التقليدية لدى الأجيال الجديدة من الباحثين والأساتذة والطلاب. فكانت منْ ثَمَّ خطوته الأولى نحو خوض مغامرته الجريئة في البحث والتأليف، خصوصًا حول تاريخ الطباعة في المغرب وعلائقه بالتغيرات التاريخية والثقافية والاجتماعية.
هكذا، كرَّسَ الباحث العراقي الذي غَدَا مسكونًا بِهَوًى عِلْمي ثقافي مغربي وَقْتَهُ وخِبْرتَهُ وَصَبْرَهُ لتجميع مادة وثائقية تغطي مجرًى تاريخيًّا يمتد من سنة 1864، تاريخ دخول أول مطبعة إلى المغرب إلى سنة 1946، التاريخ المفترض التي حُطِّمَتْ فيه آخِرُ آلاتِ الطباعة الحَجَرية في فاس خلال عهد الحماية الفرنسية. كما امتدت واتسعت صِلَاتُ الأستاذ فوزي بنخبةٍ من أبرز مؤرخي المغرب وكبار مُثَقَّفيهِ من أمثال جِرْمَان عياش، محمد المنوني، عبد الوهاب بن منصور، عبد الرحمن الفاسي، عبد الهادي التازي، محمد العربي الخطابي، محمد حجي… وغيرهم. ثم انخرط في مشروعه الذي لا يزال متواصلا حتى اليوم، من كِتَابٍ إلى آخر، ومن خطوة جريئة إلى أخرى في خدمة العِلْم، وإِسهامًا في البناء الثقافي والتاريخي لبَلَدٍ عربي أَحبَّهُ وتَعلَّقَ به.
وبلاشك، فإِن هذا الكتاب الجديد (الثالث ضِمْنَ مشروعه الكبير)، والذي يخصصه لتاريخ حركة الطباعة والنشر في المغرب خلال عهد الحماية الفرنسية والإسبانية (1912-1956)، إِنما يأتي لا ليكمل فحسب ما بدَأَهُ في كتابَيْهِ السابقَيْن، وإِنما ليوفر للمغاربة أساسًا ما بِهِ يساعدهم على فهم تاريخهم الثقافي خلال هذه الفترة العصيبة.
لقد كانت هذه المرحلة الكولونيالية عنيفة الأثر، إِذْ شهدت البلاد تغيرات كبرى في البُنَى والأنساق والذهنيات بما لم تَعِشْه من قبل. والكتاب يوضح عمق هذه التَّغييرات، وكذا المنهجية والأدوات التي اعتمدتها السلطات الاستعمارية في تنفيذها، مثلما يبرز مَعْنَى وقيمة الفعل الذي قام به الوطنيون المغاربة لحماية هويتهم وثقافتهم، وبالتالي كيف جرى ذلك التَّحوُّل للمغرب من تراثه القديم إِلى ثقافته الحديثة والمعاصرة، والذي لانزال نعيش آثاره حتى الآن.
طبعًا، لا حاجة إلى تلخيص هذا الكتاب في هذا التمهيد الذي شَرَّفَني بكتابته كُلٌّ من المؤلف والنَّاشر معًا مشكورَيْن، ففي مقدمة المُؤَلف ما يَفي بهذا الغرض، وإِن كانت قراءة الكتاب كاملًا أهم وأفضل وأَفْيَد في الإِحاطة بإِحدى مراحل تطور تاريخنا الثقافي والاجتماعي في المغرب.
ولاشك أن عددًا من القراء المغاربة سيندهشون من وفرة المعلومات والمعطيات الجديدة وغير الرائجة عن فترة الحماية ورجالها، وعن الحركة الوطنية المغربية ورموزها. وسيُصْعَق بعضهم من فرط جرأة المؤلف الدكتور فوزي عبد الرزاق الذي لم يَضَع لِسَانَهُ في جَيْبِهِ كلما أمسك بحقيقة تاريخية أو بمعطًى معينٍ يمتلك حُجَّتَه، خصوصًا ارتباط بعض أدباء المغرب خلال تلك المرحلة بإِدارة الحماية الاستعمارية وانخراطهم في مشروعها وخطابها ومَقَاصِدِها المناوئة.
يُذَكِّرني ذلك بالخصوص بما قاله مرةً جورج بَاطَايْ بأن “كل كتاب هو أيضًا مجموع سوء التفاهمات التي يُشَكِّل هو ذَاتُهُ مناسبةً لها“. وهذا كتاب من هذا النوع الذي يستدعي بعضًا من سوء التفاهم حول التاريخ، والواقع، وحول الاجتهادات. ولكنه كتاب واثق من شكوكه وأسئلته وأَدِلَّتِهِ، وله خياره المنهجي والفكري والتاريخي، وقد استغرق الاشتغالُ عليه سبعة عشرة عامًا، مما يجعله مصنَّفًا جديرًا بالقراءة والتثمين والاعتبار رغم ما قد يثيره من نقاش أو حوار أو سجال أو سوء فهم كما قد أتوقع.
إن كتابَ الصديق الدكتور فوزي عبد الرزاق، هذا الكتاب، يحمل إلى القارئ المغربي، وإلى القارئ العربي، تاريخه الخاص أيضًا. وفضلًا عن كونه منذورًا للقراءة، أعتبره أَدَاةَ حرية بامتياز ككل كتابٍ حقيقي، يندرج ضمن مشروع ثقافي وحضاري حقيقي.
د. حسن نجمي
الرباط، 26-27 أبريل 2023