خارج إطار كل ما قيل، هل كان متوقعا، من داخل المغرب، ديبلوماسيا واعلاميا، ان يصدر البرلمان الأوروبي قرار إدانة، بشأن وضع حقوق الانسان في بلادنا؟ ثم هل انعدمت سبل التواصل بين الاتحاد الأوروبي والسلطات المغربية، إلى درجة بدا الانتقال الى التصويت، من داخل الاتحاد، أمرا مطلوبا ومستعجلا؟
يبدو قرار البرلمان الأوروبي قويا ومفاجئا، في توقيته وسياقه، لكثيرين، بحكم الشراكة المتينة، المستشهد بها، هنا وهناك، ومنذ زمن بعيد. في سياق اتخاذ القرار وتوقيته، غالبا ما تتم الإشارة ألى عنصرين:
– اولا، الحاجة الأوروبية إلى الغاز، في ظل الابتزاز الجزائري للأوروبيين، في موضوع الصحراء المغربية. في هذه النقطة بالذات، يمكن طرح مثل هذا السؤال: هل يمهد القرار المذكور لادراج ملف حقوق الانسان ضمن إختصاصات المينورسو مستقبلا؟ زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى العاصمة الجزائر، مؤخرا، بهدف الزيادة في ضخ كمية الغاز، توضح كيف يوظف ساكنو قصر المرادية هذا السلاح، في مناوءة الوحدة الترابية للمغرب. وإلى جانب إيطاليا، يمكن متابعة زيارة الحاكم العسكري شنقريحة الى باريس، على أساس ترتيب زيارة للرئيس عبد المجيد تبون (كما يزعمون). مهما قيل عن ان الأمر يتصل بالمغرب، في مسألة وضع حقوق الانسان بعينها، فإن لمستجدات العلاقة الجزائرية- الأوروبية دخلا ما في الموضوع.
– ثانيا، سوء الفهم المستمر بين المغرب وفرنسا، حتى بعد زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، لأسباب يرى عدد من الساسة المغاربة مرتبطة بتمدد المغرب في افريقيا، وبالتالي مضايقته للمصالح الفرنسية التقليدية هناك.
في ما يتصل بوجهة نظري، بارتباط مع المعطيين المقدمين، فإنني لا أقلل من اهميتهما في ما اتخذ من قرار. مثال ذلك، ان فرنسا ماكرون، التي لم تقطع حبل السرة مع المغرب، نهائيا، كان نواب “الجمهورية إلى الأمام” في طليعة المصوتين.
هل قرار البرلمان الأوروبي المتخذ، هو مجرد “إعادة ترتيب الأوراق”، من اجل شراكة أقوى، في اطار ما يتناسب مع مطامح الأوروبيين ومطامعهم على حد سواء، في سياق دولي صعب صار لا يرحم أية دولة، صغيرة كانت ام كبيرة؟ ولكن، هل كان من المناسب الانتقال الى التصويت بالادانة، في خطوة لم يشهد لها قبيل منذ ربع قرن؟ هل الجزائر، في ما يتعلق بوضعية حقوق الانسان فيها، أفضل من المغرب (ولو على سبيل المقارنة)؟
في الأسابيع القليلة القادمة، او حتى الأشهر، يمكن قراءة آثار قرار البرلمان الأوروبي على الشراكة المغربية- الأوروبية المتقدمة، وبخاصة تداعياته على قضية الصحراء المغربية، ان كانت هناك مبينة لذلك. بارتباط مع كل هذا، يمكن ان يبقى القرار عند حدود إعادة ترتيب الأوراق، ويمكن تصعيده بقرارات أخرى، في سياق الحديث عن التحقيق في مزاعم محاولات ارشاء البرلمانيين الأوروبيين(مثلا).
بالنسبة إلى توقعاتي، لا أنتظر ان يشتط الأوروبيون في معاكستهم للمغرب لسببين: مراعاة المصالح الاستراتيجية المتبادلة، وتجنب الإخلال بالتوازن المحفوظ، في العلاقة بين المغرب والجزائر.
وتجنبا لكل تداعيات، بين أيدي الرباط أوراق إيجابية كثيرة، منها العلاقة المتنامية مع الجار الإسباني الحاكم، الذي امتنع نوابه الاشتراكيون عن إدانة المغرب. ولعل في هذا الامتناع، الحاصل من هؤلاء الذين لا يختلفون مع غيرهم من المصوتين، الذين يستظلون، جميعا، تحت أجنحة الاشتراكيين والخضر في شمال أوروبا (بالخصوص)، ما ينبىء عن ان في قرار البرلمان الأوروبي شيئا غير قليل من السياسة. وعلى الرغم من ان هذا القرار غير ملزم للحكومات، الا انه من غير المنطقي افراغه من التوظيف السياسي. عدم تصويت الاشتراكيين الاسبان على إدانة المغرب، هنا، خير دليل واضح.
وبالإضافة إلى الورقة الاسبانية، هناك الروسية التي تعرض نفسها بجلاء، ممثلة في زيارة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، المتوقعة إلى الرباط. ليست روسيا أقل اهمية، علاوة على الهند والصين، من الاتحاد الأوروبي. للوزير لافروف ما يقوله في الرباط: عن روسيا التي لا تطعن حلفاءها من الظهر، مثلما يفعل الأوروبيون، اليوم، مع المغرب، وبوقاحة. وإذا كانت هناك من إيجابيات لتعدد الشركاء، من الشرق ومن الغرب، فهذه واحدة منها.
على كل حال، ننتظر من الديبلوماسية المغربية ان تقرأ مستقبل علاقاتنا الدولية بتبصر وحكمة في قادم الأسابيع. الهدوء والتريث، الملاحظان حتى الساعة، مطلوبان إلى حد كبير. اما بالنسبة لحكومتنا، فالعمل على تحصين الجبهة الداخلية، بتهيئة الأجواء الاجتماعية والحقوقية، بعيداً عن خرجات بعض الوزراء المثيرة للسخط، يبدو ضروريا ومستعجلا اليوم.