أدى “أسود الأطلس” مقابلة قوية، انتهت بالفوز على المنتخب الإسباني. وإلى حدود هذه المباراة، أظهرت المجموعة المغربية نضجا كرويا عاليا، بقيادة المدرب الموهوب وليد الركراكي. لقد “ناطح” هذا الرجل، بتكتيكاته المحكمة، كبار المدربين العالمين، واوسعهم شهرة.
لا اريد الخوض في قراءة المباراة، من ناحية النهج التكتيكي، الذي أفشل هيمنة الماتادور الإسباني على وسط الميدان، ولا هيمنته في الاستحواذ على الكرة. إنما الخوض، هنا، في الجانب السيكولوجي للاعبين، القادر على إعدادهم الإعداد الذهني، في مثل هذه البطولات العالمية القوية.
من مكرور الكلام، استعادة ان كرة القدم أضحت صناعة، لا سبيل فيها إلى الصدفة. ولذلك، انكبت المدارس الكروية، باختلاف نهوجها وتكتيكاتها، على تكوين اللاعبين احترافيا، بما يضمن لهم الحضور البدني، والذهني، والمهاري. ان الموضوع، في كرة القدم، اليوم، يتصل بصناعة تضاهي باقي الصناعات، إنتاجية وربحية.
الموهبة مطلوبة، ولكن في إطار “الكل المركب”، الذي عنيناه بالصناعة. ولذلك، لم يكن من الغريب ان يتفوق علينا الغرب الأوروبي والغرب الأمريكي كرويا، بحكم تفوقه علينا في المجالات الإنتاجية والابداعية الأخرى.
وان يحسب لبلادنا بعض التقدم في كرة القدم، بنيات وبطولة واحترافا، الا ان ذلك لم يبلغ مدى ما بلغه الغرب، بالنظر إلى الطفرة التقدمية التي تفصلهم عنا. ولا ادل على ذلك من ان معظم لاعبينا، في المنتخب الحالي، هم من نتاج هذا الغرب، سواء بحكم منشئهم في المهجر، ام بحكم انتقالهم للاحتراف هناك.
اللعب للمغرب، من قبل هؤلاء، ممن يمارسون بالبطولات الاوروبية، هو “اختيار القلب”، كما عبر عن ذلك أحد اللاعبين. ولقد أعرب المدرب البلجيكي، روبرتو مارتنيز، بعد الهزيمة من قبل المنتخب المغربي، عن احباطه من ضياع ثلة من اللاعبين البلجيكيين، ذوي الأصول المغربية.
الإحساس بالانتماء القوي، علاوة على التكوين الجيد، باتا يصنعان الفرق في البطولات القارية والدولية الحالية. وإذ توفر لذلك، مدرب استطاع ان يصهر المنتخب في بوثقة واحدة، كان هذا النجاح الباهر الذي نشهده اليوم. لقد كان اقصى ما يتمناه المغاربة، ومعهم باقي العرب، هو التمثيل المشرف، دون تجاوز عتبة هذا الحد. الا ان النقلة النوعية، التي أحدثها المدرب الشاب، وليد الركراكي، كانت تجاوز تلك العتبة. ففي احدى مقابلاته الصحفية، افصح عن ذلك، بعفويته المدهشه، ولكن المعقولة والمدروسة، بالحديث عن: الحق في الحلم.
ان الحلم بالكأس، وان لم يكن بالمقدور الفوز بها، هو الذي يتغير، اليوم، على المستوى السيكولوجي للاعب العربي والأفريقي. ما يمكن في كرة القدم، يجري على باقي الرياضات، والمجالات العلمية والفنية.